صناديق التحوط تتجنّب أسهم الطاقة النظيفة.. ضربة جديدة لسياسات المناخ (تقرير)
ثمة اتجاه متصاعد بين مديري صناديق التحوط العالمية يفضّل الابتعاد عن الاستثمار في أسهم الطاقة المتجددة المدرجة في الأسواق المالية لأسباب اقتصادية وجيوسياسية.
في هذ السياق، أظهر تحقيق استقصائي حديث -اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)- انتشار المراهنات السلبية بشأن أسهم الطاقة المتجددة بين صناديق التحوط المستثمرة في بورصة نيويورك، أشهر سوق للأوراق المالية في الولايات المتحدة والعالم.
وكشف التحقيق عن تجنّب أغلب صناديق التحوط التي جُمعت بياناتها الاستثمار طويل الأجل في أسهم شركات البطاريات والطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية المتداولة في البورصة الأميركية.
كما لاحظ التحقيق في المقابل نظرة إيجابية لهذه الصناديق بشأن الاستثمار في أسهم شركات الوقود الأحفوري (مثل النفط والغاز والفحم).
تراجع ثقة المستثمرين بشأن أسهم الطاقة النظيفة
اعتمد التحقيق الذي أجرته وكالة بلومبرغ على بيانات 500 صندوق تحوّط، تمثّل 4% من إجمالي أكثر من 12 ألف صندوق تحوط تغطيها بلومبرغ عالميًا، وتمتد البيانات المجمعة عن هذه العينة من يناير/كانون الثاني 2020 إلى سبتمبر/أيلول 2024، في حين تتراوح قيمة أصول هذه الصناديق من 50 مليون دولار إلى 50 مليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أجرت بلومبرغ سلسلة مقابلات مع عدد من مديري صناديق التحوط، للاستفسار عن رهاناتهم المستقبلية المتعلقة بمسار تحول الطاقة واتجاهات الاستثمار التي تظهرها نتائج تحليل البيانات.
وكانت النتيجة أن العدد الأكبر من الصناديق يراهن على هبوط أسهم الطاقة النظيفة، ما يمثّل ضربة لسياسات التغير المناخي؛ نظرًا إلى ما يبرزه من عدم ثقة المستثمرين بالتحول الأخضر.
وتزامنت رهانات صناديق التحوط على هبوط أسهم الطاقة النظيفة مع الزخم الذي كان يتراكم ضد مؤشرات رئيسة للاقتصاد الأخضر، فقد فقدَ مؤشر ستاندرد آند بورز العالمي للطاقة النظيفة قرابة 60% من قيمته منذ ارتفاعه الأخير في عام 2021 وحتى سبتمبر/أيلول 2024.
بينما ارتفع مؤشرا “ستاندرد آند بورز 500” الرئيس، وستاندرد آند بورز للنفط (S&P Global Oil Index) بأكثر من 50% خلال المدة المشار إليها.
ورغم ذلك فقد اختلفت النتائج بالنسبة إلى القطاعات، مع إقبال صناديق التحوط على أسهم شركات طاقة الرياح وشبكات الكهرباء، وإحجامها عن أسهم الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية والبطاريات والهيدروجين، ما يعني أن المشهد بصورة عامة ظل قاتمًا.
نتائج قطاعات الطاقة المتجددة
على مستوى أسهم الطاقة الشمسية -على سبيل المثال- كان عدد صناديق التحوط التي اتخذت مراكز قصيرة (الرهان على انخفاض الأسهم ومن ثم الرغبة في بيعها) في أسهم صندوق إنفسيكو سولار إي تي إف (Invesco Solar ETF) خلال الربع الثالث من عام 2023، أكثر من عدد الصناديق التي اتخذت مراكز طويلة (الرهان على ارتفاع الأسهم ومن ثم الرغبة في شرائها).
وبصورة عامة، تفوّق صافي المراكز القصيرة (المراكز البيعية) على صافي نظيرتها الطويلة (المراكز الشرائية) في 77% من شركات الطاقة الشمسية المدرجة في البورصة الأميركية خلال الربع الثالث من 2024، مقارنة بنحو 33% فقط خلال الربع الأول من عام 2021، الذي شهد ذروة زخم التحول الأخضر عالميًا.
كما أدى تباطؤ نمو مبيعات السيارات الكهربائية إلى تحول مديري صناديق التحوط بصورة متزايدة نحو المراهنة على هبوط أسهم المركبات الكهربائية بنسبة 55% خلال الربع الثالث من 2024، مقارنة بنحو 35% في أوائل عام 2021.
بينما تفوّق عدد الصناديق المراهنة على ارتفاع أسهم شركات طاقة الرياح في 60% من الشركات المندرجة تحت صندوق “فرست ترست غلوبال ويند إنرجي” المتداول في بورصة نيوريورك.
ورغم أن المراكز الطويلة على أسهم طاقة الرياح تمثل نموذجًا نادرًا للتفاؤل الأخضر للمستثمرين المتداولين في أسواق المال الأميركية، فإن هذا الرقم انخفض من 73% في عام 2021، بحسب بيانات رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.
أما بالنسبة إلى أسهم شركات البنية التحتية للشبكات ومعدات الطاقة، فما تزال تحتفظ بتوقعات إيجابية بشأنها من جانب المستثمرين.
رهانات على ارتفاع أسهم الوقود الأحفوري
تجاوز عدد صناديق التحوط المراهنة على ارتفاع أسهم شركات الوقود الأحفوري (الفحم الحراري والنفط والغاز)، عدد الصناديق التي لديها مراكز قصيرة أو تراهن على هبوطها في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
فعلى سبيل المثال، تفوّق عدد صناديق التحوط ذات المراكز الطويلة على نظيرتها القصيرة في 53% من الشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز العالمي للنفط بنهاية سبتمبر/أيلول 2024، مقارنة بنحو 48% عام 2021.
كما تفوّق عدد صناديق التحوط المراهنة على ارتفاع أسهم شركات الفحم الحراري على نظيرتها التي تراهن على هبوطها في 73% من مجموعة مكونة من 20 شركة كبرى في القطاع بنهاية سبتمبر/أيلول 2024.
ويتزامن الاهتمام بالفحم مع ارتفاع الاستهلاك العالمي للكهرباء، خاصة في الصين والهند؛ ما دفع وكالة الطاقة الدولية إلى رفع توقعات الطلب على الفحم بحلول عام 2030 بمقدار 300 مليون طن مكافئ.
ورغم أن الفحم أصبح الآن أرخص مما كان عليه بعد غزو روسيا لأوكرانيا مباشرة، فإن قيود المعروض التي فرضتها سياسات التخلي عن الفحم نجحت في إبقاء الأسعار مرتفعة؛ ما زاد من ثقة صناديق التحوط بأسهم الفحم.
ماذا تعني مخاوف صناديق التحوط؟
مثّلت نتائج التحقيق صدمة كبيرة لأنصار المناخ والمنظمات البيئية التي اعتقدت أن حزم التحفيز الحكومية الضخمة في الولايات المتحدة وأوروبا والصين كافية لجذب الاستثمار في شركات الطاقة المتجددة، خاصة من قبل صناديق التحوط.
وتعتمد هذه الصناديق -بحكم تعريفها الفني- على الاستثمار في الأسهم التي تحمل مخاطر مستقبلية أقل؛ لضمان حماية المستثمرين من التقلبات المالية وخفض المخاطر المرتبطة بالاستثمار في الأسواق المالية، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وكثيرًا ما روّجت شركات الطاقة المتجددة لنفسها بوصفها استثمارات خضراء ذات مخاطر مستقبلية أقل؛ استنادًا إلى برامج الحوافز الحكومية الضخمة الممتدة لسنوات طويلة في أكبر الاقتصادات العالمية.
ويخشى المستثمرون من ضعف الجدوى الاقتصادية للعديد من الاستثمارات المناخية أو تأخرها في تحقيق هوامش الأرباح المأمولة.
مخاوف جيوسياسية وتجارية
قال معظم مديري صناديق التحوط الذين قابلتهم بلومبرغ، إن هيمنة الصين على قطاع الطاقة الشمسية تجعل الاستثمار في أسهم هذا القطاع صعبة للغاية بالنسبة إلى المستثمرين في أوروبا والولايات المتحدة.
كما أبدى بعضهم مخاوف من البيئة الجيوسياسية المعادية للاستثمار في أسهم الطاقة المتجددة، بسبب حروب التعرفات الجمركية بين أوروبا والولايات المتحدة والصين، التي تثير مخاوف المستثمرين وتجعلهم غير راغبين في المغامرة بالاستثمار في أسهم معرضة لتقلبات سياسية دولية في أي وقت.
كما تزداد مخاوف المستثمرين بسبب اعتماد جزء كبير من سلسلة التوريد العالمية للتقنيات الخضراء على الصين؛ ما يجعل احتمال نشوب حرب تجارية تستهدف منتجات الطاقة المتجددة في الغرب غير مستبعد، ويمثّل تهديدًا مباشرًا للمراهنين على الاستثمار في هذه الشركات مبكرًا.
ويخشى المستثمرون من صعود دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وقد وعد بالفعل بإلغاء خطط تمويل المناخ، وإعطاء الأولوية لانخفاض أسعار البنزين ورفع الرسوم الجمركية على السلع المصنعة في الصين إلى 60% أو أكثر.
ودفعت هذه المخاوف صناديق التحوط إلى زيادة رهاناتها على أسهم الوقود الأحفوري الذي يتوقع أن يظل مصدرًا ضروريًا وموثوقًا به للطاقة في العالم، وسط مخاوف متصاعدة من استمرار فشل مسار تحول الطاقة، بحسب مدير أحد صناديق التحوط البريطانية باري نوريس.
موضوعات متعلقة..
- أكبر صناديق التقاعد في أميركا يستثمر 370 مليون دولار بأوكتوبوس إنرجي البريطانية
- تهمة الغسل الأخضر تلاحق مديري أصول صناديق التقاعد في المملكة المتحدة وأميركا
- أسهم شركات الطاقة الأميركية الأفضل أداءً في 9 أشهر
اقرأ أيضًا..
- أكبر مشروع طاقة شمسية في العالم يسجل تطورًا مهمًا بعد إنقاذه من الانهيار
- أكبر الدول المصدرة للغاز المسال في أفريقيا.. نيجيريا تواصل التفوق على الجزائر
- تطورات أقدم مزرعة رياح في المغرب.. مفاوضات 4 أشهر لم تحسم التشغيل
- شركة وقود سعودية تربح 22.5 مليون دولار في 3 أشهر
إقرأ: صناديق التحوط تتجنّب أسهم الطاقة النظيفة.. ضربة جديدة لسياسات المناخ (تقرير) على منصة الطاقة