عالم الطاقة

أول منجم فحم في العالم.. قصة نجاح صنعتها تقنية مصرية وأنهتها عاصفة (صور)

فتح أول منجم فحم في العالم الباب أمام تزايد أنشطة التعدين الخاصة باستخراج هذا الوقود الأحفوري المهم لتوليد الطاقة، وإن كان شديد الحساسية للبيئة.

ونجح رائد الأعمال الصناعي البريطاني السير جورج بروس في فك شفرة هذا المنجم الواقع في إحدى القرى القديمة بإسكتلندا، حينما افتتحه عام 1575، بعد أن استحدث تقنيةً متطورةً جدًا آنذاك لتصريف المياه من المنجم، تعتمد على استعمال عجلات المياه المصرية القديمة.

ووفق متابعات تاريخية لمنصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، استمر الإنتاج من أول منجم فحم في العالم قرابة 50 عامًا، قبل أن يتوقف في 30 مارس/آذار (1625) إثر تعرُّضه لأضرار جسيمة نتيجة عاصفة شديدة ضربت نهر فورث الذي يحتضن المنجم، لتغمره المياه، وتوقَّف الإنتاج منه إلى الأبد.

وفي عام 1700 زاد إنتاج الفحم في المملكة المتحدة إلى قرابة 3 ملايين طن؛ ما أسهم في سدّ الطلب المتزايد على هذا الوقود الأحفوري لتشغيل المحركات البخارية.

وما يزال الفحم أحد المكونات الرئيسة في مزيج الطاقة العالمي، على الرغم من الدعوات المطالبة بالتخلص منه –مع بقية مصادر الوقود الأحفوري-، في إطار توجُّه عالمي متزايد نحو الطاقة المتجددة لتحقيق أهداف المناخ.

صورة تاريخية لقرية كولروس التي يوجد موقع المنجم على يسارها
صورة تاريخية لقرية كولروس التي يوجد موقع المنجم على يسارها – الصورة من engineeringhalloffame

جزيرة اصطناعية

في عام 1575، افتتح السير جورج بروس أول منجم فحم في العالم في قرية كولروس بمقاطعة دنفرملاين الإسكتلندية؛ لاستخراج الفحم من “حفرة” أسفل سطح البحر في خليج فورث شرق البلاد.

وبنى بروس جزيرة اصطناعية حول موقع المنجم، أنشأ فيها عمودًا بطول 40 قدمًا يتصل بعمودين آخرين لتصريف المياه والتهوية.

وكانت تلك التقنية المُستعمَلة لتسهيل أنشطة التعدين داخل أول منجم فحم في العالم متطورةً للغاية -حينها- مقارنةً بأيّ طريقة أخرى لاستخراج الفحم شاع استعمالها في أواخر العصور الوسطى، بل إنها كانت إحدى عجائب العصر الصناعي.

عربة بدائية يجرها حصان لنقل الفحم في إنجلترا
عربة بدائية يجرّها حصان لنقل الفحم في إنجلترا – الصورة من theguardian

أول منجم فحم

في أعقاب حركة الإصلاح الأوروبي التي ظهرت في عام 1560، انتقلت أراضي وممتلكات دير كولروس إلى عائلة كولفيل الإسكتلندية التاريخية، وعُين ابن عم جورج بروس -ويُدعى ألكسندر كولفيل- رئيسًا للدير، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة في موقع سكوتش إنجنيرينغ هول أوف فيم (Scottish Engineering Hall of Fame).

وفي عام 1575 منح كولفيل ابن عمه بروس، الذي لم يكن عمره يتجاوز حينها 25 عامًا، عقد إيجار لترميم وتشغيل منجم الفحم الواقع في كولروس، الذي كان مهجورًا آنذاك، ليشرع في تطوير ما سيصبح أول منجم فحم في العالم.

واختير بروس لإنجاز تلك المهمة لمعرفته الواسعة ومهاراته الفذة في استعمال الآلات الميكانيكية، وهو ما لم يتوافر لدى أيّ من أقرانه في تلك الآونة؛ ما جعله الشخص الملائم لإعادة تطوير منجم فحم كولروس.

وبالفعل، لم يخيّب جورج بروس الظن، وشرع في استغلال التقنيات والمعرفة المتوافرة لديه لتطوير أقدم منجم فحم في العالم.

حل ثوري

كان عمود كاسل هيل (Castlehill Shaft) الذي شيّده بروس يقع على الساحل على بُعْد مسافة قصيرة إلى الغرب من قرية كولروس، ولم تكن هناك سوى مشكلة واحدة تتلخص في أن طبقات الفحم في المنجم كانت تمرّ تحت نهر فورث، وهو ما واجهه بروس بحلّ ثوري.

ظل بروس يفكر في الأمر حتى هداه تفكيره إلى بناء جزيرة اصطناعية في نهر فورث على ارتفاع أعلى بكثير من علامة المد العالي، وحفر داخل حدودها عمودًا يصل عمقه إلى 40 قدمًا.

ثم ربط بروس المنجم الجديد تحت الأرض بعمود كاسل هيل الحالي، وكان يتوسطهما عمود ثالث لتصريف المياه من المنجم، وفق المعلومات التاريخية التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

صورة زيتية لتعدين الفحم ونقله في بريطانيا قديمًا
صورة زيتية لتعدين الفحم ونقله في بريطانيا قديمًا – الصورة من بي بي سي

عجلات المياه المصرية

استلهم بروس نظام عجلات المياه المصرية لتنفيذ فكرة تفريغ المنجم من المياه؛ إذ لجأ إلى تركيب عجلة مياه مصرية قديمة وسلسلة من الدلاء.

وقد طُوِرت عجلة المياه المصرية قبل نحو عام 700 قبل الميلاد، وتعمل على تفريغ المياه إلى قنوات أو أحواض، وهي تبرز أول جهاز رفع في العالم يعمل من دون العنصر البشري.

وسرعان ما أصبحت عجلات المياه المصرية القديمة شائعة الاستعمال في العديد من مناجم الفحم التي استُكشِفت لاحقًا في إسكتلندا.

وكان يقود العجلة 3 خيول، وتكونت من سلسلة تتألف من 36 دلوًا، وبينما كان هناك 18 دلوًا ممتلئًا يصعد، كان 18 دلوًا فارغًا ينزل، وقد أثبتت تلك التجربة نجاحًا باهرًا بمعايير ذلك الوقت.

وكانت الأعمدة الثلاثة تجعل ظروف التهوية داخل أول منجم فحم في العالم أفضل بكثير مما كان عليه الحال آنذاك، وساعد موقع حفرة المنجم في النهر السفن على الرسو بطول النهر وتحميل الفحم مباشرة من فم العمود.

إلى جانب ذلك، كان جورج بروس يدير مصانع الملح التي تحرق الفحم لتبخير مياه البحر، علمًا بأن منجم وأعمال الملح التابعة لرائد الأعمال الصناعي كانت هي الأعلى تطورًا من حيث التقنية في إسكتلندا.

عجلة المياه المصرية القديمة
عجلة المياه المصرية القديمة – الصورة من flickr

خيانة الملك

بعد أن ذاع صيت أول منجم فحم في العالم، هرعت السلطات المختصة بأنشطة التعدين من جميع أرجاء المملكة المتحدة إلى قرية كولروس لمعاينة الإنجازات العظيمة التي حقّقها جورج بروس.

وفي عام 1617، وتلبيةً لدعوة جورج بروس؛ زار ملك إنجلترا وأيرلندا وإسكتلندا جيمس السادس مصنع الملح، وأحد المناجم المملوكة لبروس، التي كانت تحفر نفقًا أسفل قاع البحر.

وبالفعل، غامر الملك جيمس بالدخول إلى النفق، ووجد نفسه عند عمود، كان يُحمَّل الفحم من عنده على السفن.

وما إن شعر الملك جيمس بأنه محاصَر بالمياه في أعلى العمود، حتى اتّهم السير جورج بمحاولة اغتياله، معلنًا أن الأمر برمّته يرقى إلى درجة خيانة.

لكن سرعان ما استعاد الملك رباطة جأشه من جديد، بعد أن لفت بروس نظره إلى قارب التجديف، شارحًا له كيفية استعماله للعودة إلى الشاطئ.

رأس تمثال للسير جورج بروس
رأس تمثال للسير جورج بروس – الصورة من engineeringhalloffame

50 عامًا من الإنتاج

استمر الإنتاج من أول منجم فحم في العالم حتى اجتاحت عاصفة شديدة نهر فورث في 30 مارس/آذار (1625)، وفق معلومات اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

وألحقت تلك العاصفة أضرارًا بالغة بمعظم مواني المصب وأحواض الملح، بل حتى غمرت المياه المنجم.

ولم يستطع رائد الأعمال الصناعي جورج بروس أن يتحمل تبعات تلك الكارثة، على ما يبدو؛ إذ توفي بعد مضي 5 أسابيع من وقوع تلك الكارثة.

وسرعان ما تبيّنت استحالة تصريف المنجم من مياه البحر التي غمرته، ليبدأ الجميع في التخلّي عنه مباشرةً، ويصبح منجمًا مهجورًا.

الفحم في العصور القديمة

قبل اكتشاف أول منجم فحم في العالم، شاع اعتقاد واسع بين المؤرخين بأن هذا الوقود الأحفوري كان يُستعمَل تجاريًا لأول مرة في الصين، حسب موقع إيه بي إم إنفيستاما تي بي كيه (ABM Investama Tbk).

ويشير تقرير إلى وجود موقع للتعدين في شمال شرق البلد الآسيوي كان يوفر الفحم لصهر النحاس وسك العملات المعدنية في نحو عام ألف قبل الميلاد.

لكن الفيلسوف والعالم اليوناني أرسطو هو مصدر أقدم الأدلة التي تُثبِت وجود الفحم، وهو من قال، إن الفحم كان يشبه الحجر.

ويُظهر رماد الفحم الموجود في أنقاض المباني الرومانية في إنجلترا أن الرومان استعملوا هذا الوقود الأحفوري في عام 400 قبل الميلاد.

غير أنه لا يمكن، بأيّ حال، فصل تاريخ استخراج الفحم واستعماله عن تاريخ الثورة الصناعية، الذي ارتبط أساسًا بإنتاج الحديد والصلب ووقود السكك الحديدية للنقل والسفن العاملة بالبخار.

لكن استعمال الفحم بدأ مصدرًا رئيسًا للطاقة ينخفض مع تزايد استعمال النفط الذي أخذ يحلّ محلّ الأول منذ عام 1960.

شخص يمسك أحجار من الفحم

الفحم و مزيج الطاقة

ما يزال الوقود الأحفوري هو الوقود المهيمن على مزيج الطاقة العالمي، بحصّة لامست نسبتها 61% في 2023، إذ يُعدُّ الفحم أكبر مصدر منفرد لتوليد الكهرباء عالميًا، رغم تنامي حصة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء.

وخلال العام الماضي، أسهم الفحم في توليد 35% من مزيج الكهرباء العالمي؛ ما يعادل 10434 تيراواط/ساعة من الكهرباء، يليه الغاز الطبيعي بحصّة 23% (6634 تيراواط/ساعة)، في حين بلغت حصة المصادر الأحفورية الأخرى 2.7%.

ووفق توقعات وكالة الطاقة الدولية، سيواصل الطلب العالمي على الفحم صعوده إلى مستويات قياسية جديدة خلال العام الحالي (2024)، لكن بوتيرة طفيفة على أساس سنوي، قبل أن يبدأ مسارًا نزوليًا بدايةً من العام المقبل.

ويوضح الفيديو التالي جوانب من مراحل تطور استخراج الفحم واستعماله تاريخيًا:

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إقرأ: أول منجم فحم في العالم.. قصة نجاح صنعتها تقنية مصرية وأنهتها عاصفة (صور) على منصة الطاقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى