عالم الطاقة

معاناة مصفاة بانياس تكشف واقع التكرير ومنظومة نقل النفط السوري (تقرير)

تُعدّ مصفاة بانياس، التي تأسست عام 1975، من أبرز منشآت تكرير النفط في سوريا، وتحتلّ موقعًا إستراتيجيًا على الساحل السوري.

ووفقًا لبيانات قطاع تكرير النفط السوري لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يوجد في سوريا مصفاتان، الموجودة في بانياس ومصفاة حمص، وتبلغ السعة الإجمالية للمصفاتين نحو 240 ألف برميل يوميًا بواقع 133 ألف برميل يوميًا لمصفاة تكرير بانياس، و107 آلاف برميل يوميًا لمصفاة حمص.

وتواجه مصفاة بانياس تحديات تقنية وبنيوية انعكست على أدائها خلال السنوات الماضية، خاصة مع تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، ومؤخرًا كانت تعالج ما بين 90 و100 ألف برميل من النفط يوميًا، وهو أقل بكثير من قدرتها التصميمية، وهو الحال الذي وصلت إليه مصفاة حمص.

وفي ظل العقوبات والتوترات السياسية، تعاني مصافي النفط السورية من تراجع الإمدادات النفطية، إذ تعتمد بشكل كبير على الخطوط الداخلية لنقل النفط الخام، لكن توقُّف الشحنات أضرّ بقدرة المصافي على تلبية احتياجات البلاد، خاصة من السولار والديزل المستعمل في تشغيل محطات توليد الكهرباء.

وكان قطاع تكرير النفط في سوريا يلبي ثلاثة أرباع طلب البلاد على المشتقات النفطية المكررة قبل عام 2011.

قدرة مصفاة بانياس

عند النظر إلى قدرة مصفاة بانياس على تكرير النفط الخام السوري نجد أنها تعتمد على تكرير مزيج من الخام السوري الخفيف والثقيل، إذ صُممت للتعامل مع نسب مختلفة من النوعين، مثل 80% خام خفيف و20% خام ثقيل، وحتى 50% للخامين،
ما يجعلها مرنة في مواجهة تقلبات الإمدادات النفطية.

إخماد حريق مصفاة حمص في سوريا
إخماد حريق مصفاة حمص في سوريا – الصورة من رويترز

وتسهم المصفاة بنحو 55% من عمليات التكرير المحلية، معتمدة على خام السويداء الثقيل المعروف بجودته المنخفضة نسبيًا، والنفط السوري الخفيف.

وعلى مدار العقود الماضية، أدت مصفاة بانياس دورًا حيويًا في تلبية الطلب المحلي على المشتقات النفطية، إلّا أن مشكلات متراكمة مثل تآكل الآلات وتقادم المدخنة أثّرت بشكل كبير في الإنتاج، كما تعرضت لآثار كارثية جراء الزلزال الذي ضرب المنطقة عام 2022، ما زاد من تعقيد أوضاعها التشغيلية.

مصفاة حمص

أنشئت مصفاة حمص عام 1959، وشهدت عمليات تطوير لرفع قدراتها لتصل استطاعتها التكريرية الحالية إلى 5.7 مليون طن سنويًا من المشتقات النفطية، وتنتج مواد الغاز المنزلي (غاز النفط السمال) والبنزين والكيروسين (وقود الطيران).

وتضم المصفاة وحدات للتقطير الفراغي والتفحيم والهدرجة وتحسين النافثا الثقيلة، بالإضافة إلى وحدات إنتاج الكبريت وإنتاج النيتروجين والأكسجين ووحدة فصل الغازات ووحدات تحلية.

لكن مصفاة حمص تقادمت، وساءت حالة تجهيزاتها، ولم يعد إنتاجها يتجاوز 10% من قدرتها، وتنحصر عملياتها حاليًا في تكرير النفط الوارد إليها عبر الصهاريج.

في سياق متصل، وبالإضافة إلى مصفاة بانياس ومصفاة حمص، كان من المقرر تنفيذ مشروع مصفاة الفرقلس المشتركة من قبل شركة لإنشاء مصفاة باستطاعة تكريرية 140 ألف برميل يوميًا بالقرب من مدينة الفرقلس، من أجل تأمين المشتقات النفطية لإشباع نمو الطلب المحلي، إلّا أن التحديات الداخلية والخارجية حالت دون تنفيذ المشروع.

وكان من المقرر أن تُنفَّذ المصفاة على مرحلتين، المرحلة الأولى لمعالجة 70 ألف برميل يوميًا من مزيج الخام السوري (خام سوري خفيف 46% وخام سوري ثقيل 53.3%)، والمرحلة الثانية الوصول بالقدرة إلى 140 ألف برميل يوميًا (خام خفيف 25% وخام سوري ثقيل 75%)،

وفي يناير/كانون الثاني 2022، ركبّت القوات الأميركية مصفاة نفط في حقل رميلان النفطي بريف الحسكة، بقدرة 100 ألف برميل شهريًا، من أجل استعمالاتها العسكرية في المنطقة.

منشأة لاستخراج النفط بمنطقة الرميلان في محافظة الحسكة السورية
جنود أميركيون في منشأة لاستخراج النفط بمنطقة الرميلان في محافظة الحسكة السورية – المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية

خطوط أنابيب النفط السورية

تمتلك سوريا شبكة من خطوط أنابيب النفط تمتد لأكثر من 1876 ميلًا، وتربط مناطق الإنتاج بمصافي التكرير مثل مصفاة بانياس ومصفاة حمص، وتشمل الشبكة خطوطًا إستراتيجية مثل “كركوك- بانياس” الذي يمتد من العراق إلى الساحل السوري، وإلى جانب ذلك، توجد خطوط لنقل المشتقات النفطية إلى المدن الكبرى مثل دمشق وحلب واللاذقية.

وتمتلك سوريا 9 خطوط لنقل النفط الخام، وهي:

  • تل عدس – حمص
  •  حمص – طرطوس
  •  الورد – تي 2
  • الفريق – تي 2
  • العمر – تي 2
  • الجفرة – تي 2
  • طرطوس – بانياس
  • غمبور – بانياس
  • كركوك – بانياس

يأتي ذلك بالإضافة إلى 4 خطوط لنقل المنتجات النفطية، منها 2 من حمص إلى دمشق، وخط من حمص إلى حلب، وآخر إلى اللاذقية، وفقًا للبيانات الواردة في (أوابك).

ورغم الأهمية الكبيرة لهذه الشبكة، تعاني من مشكلات فنية نتيجة تقادم الأنابيب وعدم صيانتها بانتظام، مقارنة بخطوط الأنابيب في الدول المجاورة، مثل العراق والسعودية، تظهر الفجوة الكبيرة في الكفاءة والطول، على سبيل المثال، تمتلك السعودية شبكة أنابيب بطول أكثر من 18 ألف كيلومتر، تدعمها تقنيات متطورة ونظم مراقبة حديثة، ما يعزز قدرتها على نقل النفط بكفاءة عالية.

مصافي النفط السورية

تعاني المصافي السورية من تقادم المعدّات وقلة التطوير، فعلى سبيل المثال، تعمل مصفاة حمص بنسبة 10% فقط من طاقتها التصميمية بسبب ضعف الإمدادات النفطية وعدم تطوير المعدّات منذ سنوات.

بالمقارنة، تمتلك دول عربية أخرى مثل السعودية والإمارات مصافي نفطية حديثة تستعمل تقنيات متقدمة، ومصفاة “ساتورب” السعودية، على سبيل المثال، تمتلك قدرة تكريرية تصل إلى 400 ألف برميل يوميًا، مع نسبة تشغيل قريبة من 100% بفضل الصيانة الدورية وتقنيات الأتمتة.

النفط في سوريا

وفي العراق، ورغم التحديات الأمنية، شهدت مصافي مثل “بيجي” عمليات تطوير كبيرة بعد الأضرار التي لحقت بها في السنوات الأخيرة، كما أن مشروع مصفاة “البصرة” يعدّ من بين الأكبر في المنطقة، بطاقة تصل إلى 300 ألف برميل يوميًا.

وعلى ذلك، تبقى مصفاة بانياس رمزًا للتحديات التي يواجهها قطاع النفط السوري، ورغم دورها الأساسي في تكرير النفط المحلي، فإن المشكلات الفنية والبنيوية تعوق قدرتها على تحقيق الاستدامة.

ومع مقارنات تُظهر تفوقًا واضحًا لدول مجاورة مثل السعودية والعراق في إدارة قطاع النفط، يصبح تطوير المصافي السورية أولوية لتعزيز الأمن الطاقي المحلي.

مقارنة بين خطوط أنابيب النفط في سوريا ودول الجوار

تُظهر المقارنة بين خطوط أنابيب النفط في سوريا ودول الجوار تفوّقًا واضحًا لصالح الأخيرة، ففي العراق، يبلغ طول شبكة خطوط الأنابيب أكثر من 7 آلاف كيلومتر، وتتميز بموقع إستراتيجي يربطها بتركيا والخليج العربي.

أمّا السعودية، فتملك شبكة خطوط أنابيب تمتد على أكثر من 18 ألف كيلومتر، مجهزة بأحدث التقنيات، ويُعدّ خط الأنابيب شرق – غرب من بين الأكبر عالميًا، إذ ينقل أكثر من 5 ملايين برميل يوميًا من النفط الخام بين الخليج العربي والبحر الأحمر.

في المقابل، تعاني خطوط الأنابيب السورية من ضعف الصيانة وتقادم البنية التحتية، مما يؤثّر بكفاءتها وقدرتها على نقل النفط. كما أن النزاعات الإقليمية والسياسية عطّلت عددًا من الخطوط الحيوية مثل خط “كركوك – بانياس”.

ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه قطاع النفط السوري، بما في ذلك البنية التحتية للتكرير، مصفاة بانياس ومصفاة حمص وشبكة خطوط الأنابيب، ما تزال هناك فرص للتحسين، إذ يمكن أن يسهم الاستثمار في تحديث المصافي وتطوير شبكة الأنابيب في تحسين الكفاءة وتقليل الاعتماد على الاستيراد، لكن هذا يتطلب استقرارًا سياسيًا واقتصاديًا، بالإضافة إلى شراكات دولية لإعادة بناء البنية التحتية المتضررة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر..

  1. بيانات مصفاة بانياس من موقع شركة مصفاة بانياس.
  2. بيانات مصفاة حمص من موقع الشركة العامة لمصفاة حمص.
  3. خطوط أنابيب نقل النفط الخام في سوريا من أوابك.
  4. خطوط أنابيب نقل المنتجات النفطية في سوريا من أوابك.

إقرأ: معاناة مصفاة بانياس تكشف واقع التكرير ومنظومة نقل النفط السوري (تقرير) على منصة الطاقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى