تكلفة إنتاج الهيدروجين عقبة على طريق أهداف الحياد الكربوني (مقال)
يتطلّب التوسع في إنتاج الهيدروجين من أجل الوصول إلى الحياد الكربوني توسيع نطاق أساليب الإنتاج منخفضة الانبعاثات وحشد التمويل اللازم للمشروعات ذات الصلة.
تجدر الإشارة إلى أنه يمكن استعمال الهيدروجين لإزالة الكربون من مجموعة متنوعة من القطاعات؛ من حالات الاستعمال التقليدية في الصناعة والتكرير إلى الحالات الجديدة في وسائل النقل وتوليد الكهرباء.
ويتم إنتاج 99% من الهيدروجين حاليًا باستعمال طرق قليلة أو كثيفة الكربون، ويؤدي إلى أكثر من 900 طن متري/سنويًا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
وتعادل كمية الانبعاثات الناتجة عن طرق إنتاج الهيدروجين ما يقرب من 3 أضعاف انبعاثات فرنسا بأكملها.
إنتاج الهيدروجين الأخضر بأقل قدر من الانبعاثات
بفضل التطورات الأخيرة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، اكتسب استعمال المصادر المتجددة لتحليل المياه بالكهرباء شعبية كبيرة بوصفه وسيلة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بأقل قدر من الانبعاثات.
في المقابل، لا يزال تحويل هذا الزخم إلى نشر فعلي لمرافق الهيدروجين الأخضر يشكل تحديًا.
وعلى الرغم من أن العديد من البلدان أعلنت أهدافًا طموحة للهيدروجين الأخضر وسياسات مواتية، لا تزال الاقتصادات الأساسية تفشل في تحقيق أهدافها.
وفي معظم السيناريوهات، يكون الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، مثل الأمونيا الخضراء ووقود الطيران المستدام، باهظ التكلفة، بما يقرب من 2 إلى 3 أضعاف البدائل الرمادية.
ويستكشف هذا المقال الخطوات اللازمة للحد من هذه “العلاوة الخضراء”، ومعالجة التحديات التي تواجه تسويق مرافق الهيدروجين الأخضر.
تكلفة إنتاج الهيدروجين
تُعدّ تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر (الذي يكلف 4.5- 12 دولارًا للكيلوغرام، وفقًا لوحدة أبحاث بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس “BloombergNEF”) أكثر بكثير من إنتاج الهيدروجين الرمادي (بتكلفة 1- 3 دولارات للكيلوغرام).
فعلى الرغم من الإمكانات التي يتمتع بها الهيدروجين الأخضر، فإن حشد التمويل لبناء مرافق واسعة النطاق يظل هدفًا بعيدًا في معظم السيناريوهات.
ويرجع ارتفاع تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى 3 أسباب، وهي كالآتي:
أولًا: يمكن أن يكون بناء خط إنتاج التحليل الكهربائي مكلفًا للغاية، إذ نشرت وزارة الطاقة الأميركية مؤخرًا دراسة تشير إلى أن إجمالي تكلفة تمويل تركيب أجهزة التحليل الكهربائي قد زاد من النطاق المقدر سابقًا من 1000- 1600 دولار للكيلوواط إلى 2000- 2500 دولار للكيلوواط.
ويرجع جزء كبير من زيادة التكلفة إلى ارتفاع كبير في تكاليف التركيب التي تشكّل 50- 60% من إجمالي تكاليف أجهزة التحليل الكهربائي.
وعلى الرغم من الوعد الذي يحمله الهيدروجين الأخضر، فإن حشد التمويل لبناء مرافق واسعة النطاق يظل هدفًا بعيدًا في معظم السيناريوهات.
وكان ارتفاع تكاليف التركيب مدفوعًا بالضبابية في تنفيذ مشروعات فريدة من نوعها.
وفي الوقت نفسه، من الصعب التنبؤ بدقة بتكاليف التمويل ومتطلبات العمالة ومخاطر سلسلة التوريد وجداول التكاليف لبناء مثل هذه المرافق.
بالإضافة إلى ذلك، قد لا تعمل التقنيات الجديدة بصورة جيدة على نطاق واسع مقارنة بالاختبارات التجريبية والمعملية.
ونتيجة لذلك، قد يتردد مقاولو الهندسة والتوريد والبناء في تحمّل مخاطر الإنجاز والأداء للتقنيات غير المؤكدة، ما يؤدي إلى زيادة علاوة المخاطر الإجمالية والتمويل.
ثانيًا: يتفاقم استثمار التمويل الكبير في أجهزة التحليل الكهربائي بسبب التكاليف التشغيلية، إذ تظهر مصادر الطاقة المتجددة عوامل انخفاض القدرة.
واعتمادًا على مصدر الطاقة المتجددة وموقع المصنع، يمكن أن تتجاوز تكلفة الكهرباء وحدها التكلفة الإجمالية لجميع المكونات الأخرى في منشأة الهيدروجين الأخضر، ووفقًا لشركة الاستشارات جي إي بي GEP.
ثالثًا: تضيف الحاجة إلى البنية التحتية القوية لدعم تخزين الهيدروجين ونقله وتوزيعه طبقة أخرى من التعقيد، ويتطلّب تطوير البنية التحتية استثمارات ضخمة، وهو أمر حاسم لخفض التكاليف الإجمالية والانتقال إلى اقتصاد هيدروجين أكثر شمولًا.
ارتفاع سعر الهيدروجين الأخضر
أدى ارتفاع سعر الهيدروجين الأخضر إلى صعوبة العثور على مشترين مستعدين لدفع العلاوة الخضراء، وبوجه عام تميل العديد من الشركات إلى إعطاء الأولوية للفاعلية الفورية من حيث التكلفة على الاستدامة طويلة الأجل، ما يجعلها حذرة بشأن الالتزام بوقود أغلى بكثير من المصادر التقليدية.
ويؤثر غياب اتفاقيات الشراء طويلة الأجل في قدرة تمويل هذه المشروعات، إذ تتطلّب البنوك وصناديق الأسهم تدفقات نقدية متوقعة لتخصيص التمويل.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن شركات الطاقة الدولية التي يمكنها تمويل مشروعات إنتاج الهيدروجين من موازناتها العمومية تبتعد عن الطاقة المتجددة بسبب انخفاض التآزر التشغيلي والعائدات المالية، وفقًا لوحدة أبحاث بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس.
وبالتالي، ينتهي الأمر بمشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى عدم البناء، ويظل سعر الهيدروجين مرتفعًا.
ولتعزيز التغيير الإيجابي وتطوير السوق، وضعت العديد من الحكومات سياسات تهدف إلى إزالة الكربون من الاقتصاد، مع التركيز على دعم مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.
وأتاح قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة ائتمانًا ضريبيًا للإنتاج يصل إلى 3 دولارات للكيلوغرام لتحفيز الهيدروجين الأخضر.
من جهتها، اقترحت المملكة المتحدة نموذج أعمال للهيدروجين يعتمد على العقود مقابل الفروقات، ويهدف إلى توفير دعم الإيرادات للتغلّب على فجوة التكلفة التشغيلية بين الهيدروجين المنخفض الكربون والوقود عالي الكربون.
وأُعلنت إعانات مماثلة تعتمد على العقود مقابل الفروقات من خلال قانون الهيدروجين الياباني ومبادرة إتش 2 غلوبال H2 Global الألمانية.
وأطلق الاتحاد الأوروبي مجموعة من البرامج والسياسات، مثل صندوق ابتكار الهيدروجين وبرنامج الاتحاد الأوروبي للوقود، التي تروج للهيدروجين المنخفض الكربون وتعاقب الشركات عالية انبعاثات الكربون.
وأوضح مدير تطوير تحول الطاقة لدى شركة بيتل إنتربرايزز في المملكة المتحدة وأوروبا الغربية، ريشاب أغراوال، ورئيس الشركة، روبرت كلوز، أن هذه المبادرات السياسية لم تحقق سوى تأثير محدود على أرض الواقع.
ومن الأمثلة على ذلك اقتراح وزارة الخزانة الأميركية بوضع إرشادات إضافية لائتمانات الهيدروجين الأخضر التي تتطلّب من المشروعات الالتزام بمعايير إضافية صارمة، أبرزها قابلية التسليم، ومطابقة الوقت.
وعلى الرغم من أن هذه المعايير تضمن بقاء إمدادات الكهرباء خضراء، فإنها تزيد من تكلفة التمويل، وتخفّض الكفاءة التشغيلية، وتنقل الإنتاج بعيدًا عن مراكز الطلب.
ونتيجة لذلك، قد لا تتحقق مشروعات الهيدروجين الأخضر في الولايات المتحدة، على الرغم من وجود الائتمان الضريبي.
ودون تعديلات فعّالة للسياسات، يمكنها تحفيز كل من الطلب والعرض مع تحقيق التوازن الصحيح، فإن قطاع الهيدروجين الأخضر يواجه خطر الركود بدلًا من النمو.
التغلب على العقبات
على الرغم من التحديات التجارية والتنظيمية الكبرى أمام فتح المجال لنشر التمويل على نطاق واسع، فإن بعض الأساليب الإبداعية يمكن أن تمكّن مشروعات الهيدروجين الأخضر من تحقيق أهدافها.
على صعيد آخر، يمكن للمطورين متابعة تطبيقات ذات علاوة “خضراء” منخفضة نسبيًا، مثل الفولاذ الأخضر، الذي تُقدّر تكلفته بنحو 40% فقط أكثر من الفولاذ التقليدي، وفقًا لوحدة أبحاث بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس، بدلًا من الشحن الأخضر ووقود الطيران، الذي قد يكلف 3- 5 مرات أكثر من الخيارات كثيفة الكربون.
ومن الأمثلة الرائدة، مشروع إتش 2 غرين ستيل H2 Green Steel في السويد، حصل على 6.9 مليار دولار في التمويل والشراء الطويل الأجل من مرسيدس بنز.
بالإضافة إلى متابعة حالات الاستعمال منخفضة العلاوة، يمكن للمطورين تقليل تكاليف البنية التحتية الملحقة من خلال تجميع المرافق القائمة على المصادر المتجددة والعملاء الساعين لتطوير “مركز”.
على سبيل المثال، يقع مشروع هاي ستور (Hy Stor) في ولاية ميسيسيبي الأميركية مع شركة صناعة الصلب إس إس إيه بي SSAB.
وتخطط منشأة هاي ستور لإنتاج الهيدروجين باستعمال طاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية في الموقع، واستعمال قبة ملحية تحت الأرض لتخزينه.
إلى جانب ذلك، يمكن أن تعمل مشروعات التطوير البنيوية على خفض تكاليف التمويل الإضافية من خلال إعادة استغلال البنية التحتية الحالية.
تخطط شركة الأسمدة واليوريا فيرتيغلوب Fertiglobe، وهي عبارة عن تعاون بين شركة أدنوك الإماراتية وشركة أوه سي آي، لإعادة استعمال منشأة الأمونيا الموجودة في مصر لتزويد أوروبا بالأمونيا الخضراء.
وأسهمت الإستراتيجية في تقليل إجمالي نفقات التمويل، وساعدت شركة فيرتيغلوب على الفوز بمزاد إتش 2 غلوبال بألمانيا، وفقًا لجمعية طاقة الأمونيا.
خفض تكلفة التمويل
يمكن للمطورين خفض تكلفة التمويل من خلال الاستفادة من البرامج التي ترعاها الدولة، للحصول على المنح والإعانات والتمويل منخفض التكلفة.
على سبيل المثال، تمت تغطية جزء كبير من ديون مشروع الأمونيا الخضراء في مشروع نيوم من قبل المقرضين الحكوميين السعوديين ووكالة ائتمان الصادرات الألمانية أولر هيرميس.
وفي الولايات المتحدة، منح مكتب برامج القروض التابع لوزارة الطاقة ضمانات قروض فيدرالية تزيد على ملياري دولار لتعزيز تطوير أنظمة الهيدروجين الأخضر.
في نهاية المطاف، قد تكون الشراكة مع مزوّد خدمات الهندسة والتوريد والبناء الموثوق به ميزة للمطورين. من ناحية ثانية، يمكن أن تكون الحلول الشاملة التي تقدّمها حلول الهندسة والتوريد والبناء المتكاملة -التي تتراوح من التراخيص في المرحلة المبكرة ومساعدة التمويل إلى تحسين التصميم والبناء- لا تُقدّر بثمن في ضمان إكمال المشروع بنجاح.
وبالنظر إلى وجود مجموعة لا نهاية لها من مشروعات الهيدروجين الأخضر وأهداف الإنتاج الوطنية المتزايدة باستمرار، يبدو أن التوقعات قد تسابقت إلى ما هو أبعد من الواقع.
يأتي ذلك بعد أن خلقت تكلفة الإنتاج المرتفعة، إلى جانب الطلب المحدود، مشهدًا معقدًا للمطورين والمستثمرين.
ويمكن أن يساعد الدعم المباشر من الحكومة المدعوم بأساليب التصميم الرشيقة في سد فجوة التكلفة بين الهيدروجين منخفض الكربون والوقود التقليدي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إقامة شراكات راسخة مع العملاء النهائيين ومقاولي الهندسة والتوريد والبناء والمستثمرين على المدى الطويل يمكن أن يساعد في التغلب على العوائق التقنية والتجارية في نشر التمويل على نطاق واسع.
ولذلك، يجب أن تتوافق الحوافز الاقتصادية مع الأهداف البيئية لتحقيق عالم محايد كربونيًا.
* ريشاب أغراوال، مدير تطوير تحول الطاقة لدى شركة بيتل إنتربرايزز في المملكة المتحدة وأوروبا الغربية.
** روبرت كلوز، رئيس شركة بيتل إنتربرايزز في المملكة المتحدة وأوروبا الغربية.
– هذا المقال يمثّل رأي الكاتبين، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
– أعادت “الطاقة” نشر المقال وترجمته للّغة العربية بموافقة الكتاب والناشر.
المصدر:
موضوعات متعلقة..
- إنتاج الهيدروجين بطريقة أعلى كفاءة مرة ونصف
- خبير أوابك يكشف عن رقم صادم لتكلفة إنتاج الهيدروجين
- دعم الهيدروجين في أوروبا بالتمويل والبنية التحتية.. هل يكفي لإنقاذ الصناعة؟
اقرأ أيضًا..
- صفقة مرتقبة لتأمين احتياجات مصافي النفط في سوريا.. هل يحل الأكراد أزمة نقص الوقود؟
- 7 مشروعات طاقة متجددة في أفريقيا ستكون مرتقبة خلال 2025
- أهم 10 تقنيات طاقة متجددة في العالم خلال 2024.. مزايا غير مسبوقة
إقرأ: تكلفة إنتاج الهيدروجين عقبة على طريق أهداف الحياد الكربوني (مقال) على منصة الطاقة