عالم الطاقة

صناعة النفط في سوريا.. هل تستطيع مواجهة تحديات الآثار البيئية المتزايدة؟

تُشكّل الآثار البيئية الناجمة عن استخراج النفط في سوريا وتكريره إحدى القضايا الحيوية التي تشغل بال قطاع كبير من المواطنين والباحثين والمتخصصين.

وتتصدر مصفاة بانياس في سوريا مشهد التحديات البيئية نتيجة انبعاثاتها وتأثيراتها المتعددة على المحيط الحيوي، إذ تثير المصفاة جدلًا واسعًا بسبب تأثيرها البيئي المتفاقم في المياه والهواء والتربة، مع ارتباط ذلك بمستويات التلوث في المنطقة وأثره بصحة الإنسان والنظام البيئي.

وتواجه الدول المنتجة تحديات جسيمة في التوازن بين تلبية احتياجاتها الاقتصادية والمحافظة على البيئة، ومصفاة بانياس الواقعة على الساحل السوري ليست استثناءً؛ إذ تتسبب عمليات استخراج وتكرير النفط في سوريا بتلوث يمتد ليشمل الأجواء البحرية المحيطة والموارد الطبيعية في المنطقة.

في هذا التقرير، تسلّط منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) الضوء على الأثر البيئي لاستخراج وتكرير النفط في مصفاة بانياس، التي تعدّ من أهم المنشآت النفطية في البلاد، ومستويات التلوث الناتجة من صناعة النفط في سوريا مقارنة بدول عربية أخرى، بالإضافة إلى الجهود المبذولة للتخفيف من الأضرار البيئية.

الآثار البيئية لتكرير النفط في مصفاة بانياس

عند رصد الآثار البيئية لتكرير النفط في مصفاة بانياس، نجد أن الانبعاثات الناتجة عن عمليات التكرير، مثل الغازات السامة والجسيمات الدقيقة، تسهم في تدهور نوعية الهواء في المنطقة، ما يشكّل خطرًا على صحة السكان المحليين.

مصفاة بانياس
مصفاة بانياس – الصورة من موقع هيئة الإذاعة والتلفزيون السورية

وتطرح الآثار البيئية الناتجة عن استخراج وتكرير النفط في مصفاة بانياس تحديًا كبيرًا لسوريا، إذ تُعدّ التسربات النفطية وتلوث الهواء والمياه من أبرز المشكلات التي تتطلب حلولًا عاجلة ومستدامة.

وتطلق مصفاة بانياس من مداخنها يوميًا كميات هائلة من الغازات التي تشكّل ملوثات تؤثّر في الهواء بشكل مباشر، مؤدية إلى تغير التركيب الطبيعي له.

ومن أبرز الملوثات المرصودة في 3 مواقع حول المصفاة -وهي، فندق الرومان الواقع غرب المصفاة، وقرية أبتمة في الشمال الشرقي من المصفاة، ودير البشل- الغازات التالية:

غاز ثاني أكسيد الكبريت: يعدّ أحد الملوثات التي تنطلق بشكل رئيس من احتراق منتجات النفط، وعمليات التنقيب والاستخراج والتجميع والتصفية.

ويؤثّر ثاني أكسيد الكبريت في الإنسان مباشرةً، عندما يصل إلى أنسجة الرئتين، إذ يزيد من حدّة الأزمات الربوية و الحساسية الصدرية، كما يؤثّر في البيئة عمومًا، إذ يساعد على تكوين الأمطار الحمضية، التي تؤثّر بدورها في الثروة المائية والتربة.

وللحدّ من الآثار البيئية الضارة له، يجب ألّا تتجاوز قيمة ثاني أكسيد الكبريت في الهواء 0.132 PPM، وفقًا للمقاييس العالمية والسورية.

غاز أول أكسيد الكربون: ينتج عن عمليات الاحتراق غير التامة، ويوجد بتركيز كبير في الغاز المصاحب للنفط.

ويؤثّر أول أكسيد الكربون مباشرةً في صحة الإنسان، إذ ينحلّ مع هيموغلوبين الدم، و يُقلل قدرته على نقل الأكسجين، ومن ثم يؤدي إلى تسارع نبضات القلب و آلام شديدة في الرأس و إغماء قد يؤدي إلى الموت، وعندما تزيد كمّيته يتسبب في انسداد الأوعية الدموية مؤديًا إلى الوفاة.

كما يؤثّر في البيئة عمومًا، إذ يتفاعل مع الأكسجين مكونًا غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يتفاعل بدوره مع الماء وينتج حمض الكربون، الذي يؤثّر سلبًا في الماء والتربة، إذ يجب ألّا تتجاوز قيمة ثاني أكسيد الكربون في الهواء 25.8 PPM، بحسب المقاييس العالمية والسورية.

غاز ثاني أكسيد النتروجين: ينتج عن تفاعل النتروجين مع الأكسجين في درجات الحرارة المرتفعة خلال عمليات الاحتراق لمختلف أنواع الوقود.

لغاز ثاني أكسيد النيتروجين تأثير ضارّ في الجهاز التنفسي و القلب، و يؤدي إلى انخفاض نسبة الرؤية، كما يؤثّر في النباتات، إذ يجب ألّا تتجاوز قيمته في الهواء 0.105 PPM، بحسب المقاييس العالمية و السورية.

كما يبرز غاز كبريت الهيدروجين، الذي يُحدِث تأثيرًا سريعًا في الأغشية والمجاري التنفسية، وهو غاز قاتل خلال دقيقتين إذا كان تركيزه أكثر من 700 PPM

وفي ظل محدودية الجهود الحالية للحدّ من هذه الآثار البيئية، تبرز الحاجة إلى خطوات جادّة لتقليلها وتحقيق استدامة بيئية واقتصادية.

تأثير التسربات النفطية في البيئة البحرية

يبرز تأثير التسربات النفطية في البيئة البحرية بصفته إحدى أبرز المشكلات المرتبطة بمصفاة بانياس، إذ يؤدي إلى تدمير الحياة البحرية والإضرار بالكائنات الحية التي تعتمد على هذه البيئة.

تسرب نفطي في سوريا
تسرّب نفطي في سوريا – الصورة من وكالة الأنباء السورية

وتشكّل التسربات النفطية الناتجة عن عمليات استخراج وتكرير النفط في مصفاة بانياس خطرًا كبيرًا على البيئة البحرية، فعندما تتسرب كميات من النفط الخام أو المكرر إلى المياه، تنتشر طبقة سميكة تمنع دخول الأكسجين وأشعة الشمس إلى الأعماق، مما يضرّ بالكائنات البحرية، مثل الأسماك والشعاب المرجانية.

في السنوات الأخيرة، سُجلت عدّة حوادث تسرب نفطي كبيرة في الساحل السوري، خلّفت العديد من الآثار البيئية الضارة، كان لمصفاة بانياس دور رئيس فيها.

ففي أغسطس/آب عام 2021، أظهرت صور نشرتها وكالة الأنباء السورية “سانا”، انتشار بقع نفطية هائلة ناتجة عن تسرّب زيت الوقود من محطة توليد كهرباء داخل مصفاة بانياس.

وأظهرت صور الأقمار الصناعية أن التسرب النفطي امتدّ على سواحل سوريا بطول 19 كيلومترًا، إذ وصل التسرب إلى بلدة جبلة الساحلية على بعد نحو 20 كيلومترًا شمال مصفاة بانياس.

وأدت الحوادث إلى تضرُّر مساحات واسعة من السواحل، وخسائر كبيرة في التنوع البيولوجي، وبالإضافة إلى ذلك، تعاني المجتمعات المحلية من تدهور الثروة السمكية التي تُعدّ مصدر رزق رئيس للعديد من السكان.

مستويات التلوث في سوريا مقارنة بدول عربية أخرى

إذا ما قورنت الآثار البيئية ومستويات التلوث الناتجة عن صناعة النفط في سوريا بدول عربية أخرى، نجد أن دمشق تعاني من مشكلات فريدة تتعلق بتقادم المنشآت النفطية وعدم تحديثها.

على سبيل المثال، في دول الخليج مثل السعودية والإمارات، تُطبَّق تقنيات حديثة لتقليل الانبعاثات الضارة والتخلص الآمن من المخلّفات النفطية، وفي المقابل، تعتمد سوريا بشكل كبير على تقنيات قديمة تسهم في تفاقم مستويات التلوث.

ووفق تقارير بيئية دولية، فإن مصفاة بانياس تعدّ من بين الأكثر تلويثًا للبيئة في المنطقة، وبينما حققت دول مثل قطر والكويت تقدمًا ملحوظًا في الحدّ من التلوث البحري والجوي، فإن البنية التحتية المحدودة في سوريا تعوق تنفيذ إجراءات مماثلة.

جهود تحسين البيئة

رغم التحديات، اتُخِذت بعض الخطوات للحدّ من الأثار البيئية لصناعة النفط في سوريا، تشمل هذه الجهود محاولة تحسين كفاءة مصفاة بانياس وتقليل التسربات النفطية.

وطُرِح مشروع نقل النفط في سوريا بالضخ العكسي من خزانات بانياس إلى مصفاة حمص، للاستغناء عن نقل النفط الخام بالصهاريج من خزانات بانياس إلى خزانات حمص، ومن ثم تجنُّب الحوادث المرورية وتلوث البيئة.

تسرب نفطي في سوريا
تسرّب نفطي في سوريا – الصورة من وكالة الأنباء السورية

كما يستهدف المشروع تقليل الانبعاثات الكربونية نتيجة توقف النقل بالصهاريج، إذ بلغت كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة خلال النقل نحو 9.4 كيلو طن، حتى نهاية يونيو/ حزيران 2016.

وتتضمن خطط تحسين كفاءة مصفاة بانياس وخفض الآثار البيئية الضارة الناجمة عن عمليات التكرير فيها صيانة البنية التحتية، فضلًا عن تشجيع البحث العلمي لدراسة آثار التلوث ووضع حلول مبتكرة، ومع ذلك، يبقى تأثير هذه الجهود محدودًا بسبب نقص التمويل والموارد.

إقليميًا، يمكن لدمشق الاستفادة من خبرات الدول العربية التي نجحت في تطبيق تقنيات صديقة للبيئة في مجال استخراج وتكرير النفط في سوريا.

وبالمقارنة مع الدول العربية الأخرى، يتضح أن هناك فجوة كبيرة يمكن سدُّها من خلال تبنّي تقنيات حديثة وتعاون إقليمي أوسع، وبجهود مستمرة وإستراتيجيات واضحة يمكن لسوريا تقليل الآثار البيئية وتحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والمحافظة على البيئة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر..

  1. دراسة الآثار البيئية وتلوث الهواء في المناطق المحيطة بمصفاة بانياس في سوريا من مجلة العلوم الهندسية.
  2. مشروع ضخ النفط العكسي من خزانات (بانياس- طرطوس) إلى مصفاة حمص من المؤسسة العامة للنفط.

إقرأ: صناعة النفط في سوريا.. هل تستطيع مواجهة تحديات الآثار البيئية المتزايدة؟ على منصة الطاقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى