انتخابات 2024 وقطاع الطاقة.. أبرز وعود الساسة وتحديات التنفيذ
مع توجه نصف سكان العالم إلى صناديق الاقتراع خلال أكبر عام انتخابي في التاريخ، أصبح قطاع الطاقة والاستدامة في صميم الجدل السياسي العالمي.
وكانت انتخابات 2024 في العديد من الدول الكبرى محط أنظار العالم، لا سيما أنها ترسم خريطة جديدة لسياسات الطاقة العالمية، مع تنوّع الأجندات الانتخابية بين السعي لتطوير الطاقة المتجددة من جهة، ودعم قطاعات الطاقة التقليدية من جهة أخرى.
ففي الولايات المتحدة، يُعيد فوز ترمب النقاش حول مستقبل قطاع الطاقة في البلاد وتركيزه على تعزيز إنتاج النفط والغاز، وعلى الجهة الأخرى من الأطلسي، يهدف حزب العمال البريطاني إلى تحويل البلاد إلى قوى عظمى في الطاقة المتجددة.
وفي ضوء ذلك، يسلّط ملف الحصاد السنوي لعام 2024 الصادر عن وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن) الضوء على أبرز انتخابات 2024، وقرارات الساسة المصيرية ومدى تأثيرها في قطاع الطاقة.
الانتخابات الرئاسية الأميركية (5 نوفمبر/تشرين الثاني)
مع فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، من المتوقع حدوث تحولات جذرية في سياسات الطاقة والبيئة بالولايات المتحدة، إذ أشارت تصريحاته إلى أن ولايته الثانية ستعطي الأولوية لإنتاج الوقود الأحفوري، والحد من دعم مصادر الطاقة النظيفة.
وفي ضوء ذلك، أعلن الرئيس الأميركي المنتخب خططًا لإنشاء مجلس وطني للطاقة يقوده حاكم ولاية نورث داكوتا، دوغ بورغون، وتتمثّل مهمته في “الإشراف على المسار نحو هيمنة أميركا على الطاقة”، من خلال:
- التنسيق بين الوكالات الفيدرالية لتعزيز إمدادات الطاقة.
- الحد من البيروقراطية.
- تعزيز استثمارات القطاع الخاص في جميع القطاعات.
- التركيز على الابتكار بدلًا من اللوائح التنظيمية غير الضرورية.
رؤية ترمب للنفط والغاز
خلال خطاب الفوز عقب إعلان نتيجة الانتخابات، تفاخر ترمب باحتياطيات البلاد الهائلة من النفط والغاز الطبيعي، مؤكدًا خططه لتعزيز الإنتاج.
وتعهد ترمب بالآتي:
- تسريع عمليات الحفر قبالة سواحل الولايات المتحدة وعلى الأراضي الفيدرالية.
- استئناف تصاريح مشروعات تصدير الغاز المسال وتسريعها.
- دراسة الموافقة على خط أنابيب كيستون لنقل النفط الكندي إلى أميركا.
- مطالبة الكونغرس بتوفير تمويل جديد لإعادة ملء الاحتياطي الإستراتيجي للنفط.
ومع ذلك، قد تصطدم طموحات ترمب لقطاع الطاقة بالواقع، لا سيما أن إنتاج النفط في عهد بايدن بلغ مستويات قياسية عند 13.2 مليون برميل يوميًا -كما يوضح الرسم أدناه- وقد يؤدي زيادة الإنتاج إلى خفض الأسعار وتقليل الأرباح.
وقد تواجه محاولة ترمب لتعزيز إمدادات النفط تحديات بسبب تهديده بفرض تعرفات جمركية بنسبة 25% على كندا والمكسيك، وهما من أكبر مصدري النفط للبلاد، ولن ينجم عن ذلك ارتفاع في الأسعار فحسب، وإنما سيضر الأمن القومي.
في الوقت نفسه، لم يسلم الاتحاد الأوروبي من تهديدات ترمب، فقد دعا الكتلة إلى زيادة وارداتها من النفط والغاز الأميركيين، وإلا ستواجه تعرفات جمركية، ما أشعل مخاوف بنشوب حرب تجارية بين أميركا وأوروبا.
قطاع الطاقة المتجددة
رغم أن دونالد ترمب لم يعد رسميًا إلى البيت الأبيض، فإنه يدفع قطاع الطاقة المتجددة إلى حالة من عدم اليقين، سواء في الولايات المتحدة، أو على الصعيد العالمي، ويتجلّى ذلك في الآتي:
- المركبات الكهربائية
يخطّط ترمب للحد من الدعم الفيدرالي للمركبات الكهربائية، وقد يتضمن ذلك استهداف لوائح الانبعاثات الصادرة عن وكالة حماية البيئة، التي تروّج -حاليًا- لتبني السيارات الكهربائية.
- الرياح البحرية
لطالما انتقد ترمب صناعة الرياح البحرية الناشئة، مستنكرًا تأثيراتها المحتملة في الطيور والحيتان، ورغم أنه لم يوضح مصير القطاع فإنه قد يخطط لوقف السماح بتطوير مشروعات جديدة أو توقيع عقود إيجار جديدة.
- ائتمانات ضريبة الطاقة النظيفة
بالإضافة إلى ذلك، بات مستقبل ائتمانات ضريبة قطاع الطاقة النظيفة، خاصة تلك الموجودة في قانون خفض التضخم، محفوفًا بالمخاطر.
فرغم أنه من غير المرجح إلغاء الائتمانات بالكامل، فإن المشرعين من كلا الحزبين قد يقررون تقليل أو التخلص التدريجي من بعض الحوافز للمساعدة في تمويل تمديد التخفيضات الضريبية التي سبق أن نفّذها ترمب في ولايته الأولى.
- محطات الكهرباء
كما يهدف ترمب إلى إنهاء لوائح وكالة حماية البيئة التي تحد من انبعاثات محطات الكهرباء العاملة بالفحم والغاز، وتشجع على إغلاق محطات الفحم، بحجة أن ارتفاع الطلب على الكهرباء الناجم عن الذكاء الاصطناعي والتصنيع، يتطلّب تطوير المزيد من المحطات وليس إغلاقها.
- الضبابية تسود خطط تغير المناخ
مع انتهاء قمة كوب 29 لهذا العام، يشعر زعماء العالم بعدم اليقين إزاء مستقبل تغير المناخ بالنظر إلى نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، بسبب المخاوف الآتية:
- احتمال انسحاب ترمب مرة أخرى من اتفاقية باريس للمناخ، ما يعني أن الولايات المتحدة، أكبر مصدر لثاني أكسيد الكربون، قد تعرقل الجهود العالمية الرامية إلى خفض الانبعاثات.
- عدم تقديم الدعم المالي إلى الدول النامية لمساعدتها على الانتقال إلى اقتصادات منخفضة الكربون.
الانتخابات العامة في المملكة المتحدة (4 يوليو/تموز 2024)
حقق حزب العمال فوزًا ساحقًا خلال الانتخابات العامة الأخيرة، منهيًا 14 عامًا من حكم المحافظين بأغلبية ساحقة بلغت 412 مقعدًا في البرلمان المكون من 650 مقعدًا.
وتتضمّن رؤية الحزب الطموحة تحويل بريطانيا إلى “قوة عظمى في الطاقة النظيفة”، والتركيز على خفض تكاليف الطاقة، وتعزيز استقلال قطاع الطاقة وزيادة قدرات الطاقة الشمسية والرياح، إلا أن هذه الخطط واجهت عقبات مالية.
في البداية، خطط الحزب لاستثمار 28 مليار جنيه إسترليني (35.6 مليار دولار) في الصناعات الخضراء، وبعد ذلك تأثرت هذه الخطط بالمخاوف إزاء الأوضاع الاقتصادية وتكلفة الاقتراض والانضباط المالي.
ونتيجة لذلك، يستهدف الحزب -حاليًا- استثمارًا سنويًا يُقدر بنحو 5 مليارات جنيه إسترليني، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة
(جنيه إسترليني= 1.25 دولارًا أميركيًا)
تقلبات في قطاع النفط والغاز
وفقًا لبيانات حكومية، تراجع إنتاج النفط والغاز في المملكة المتحدة بنسبة 11% على أساس سنوي في النصف الأول من عام 2024 إلى 654 ألف برميل يوميًا، ومن المتوقع أن ينخفض إجمالي الإنتاج في البلاد بنسبة 10% سنويًا في الأمد القريب.
ومع ذلك، قررت الحكومة الجديدة الآتي:
- عدم إصدار تراخيص جديدة للتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل اسكتلندا.
- زيادة الضرائب غير المتوقعة على شركات النفط والغاز إلى 38%، لتمويل مبادرات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، وستظل الضريبة سارية حتى 31 مارس/آذار 2030، ما لم تنخفض أسعار النفط والغاز إلى ما دون مستوى معين لمدة 6 أشهر.
بيد أن كبريات شركات قطاع الطاقة وجدت حلولًا للتصدي لبيئة الاستثمار الصعبة، من خلال دمج الأصول في المملكة المتحدة، وأبرزها صفقة شل وإكوينور، إذ قررت الشركتان دمج مواردهما لتصبحا معًا أكبر مُنتج مستقل في المنطقة.
الاستغناء عن الفحم
بعد أكثر من قرن، أصبحت المملكة المتحدة أول دولة من مجموعة دول الـ7 تستغني عن محطات الفحم، وأغلقت آخر محطات توليد الكهرباء بالفحم في 30 سبتمبر/أيلول.
إزالة الكربون من قطاع الكهرباء
سبق أن تعهّد حزب المحافظين بإزالة الكربون من قطاع الكهرباء بحلول عام 2035، لكن الحكومة الجديدة تستهدف تحقيق هذا الهدف بحلول 2030.
ومع ذلك، فإن الحكومة ليست على المسار الصحيح، إذ يُتوقع أن يشكّل قطاع الطاقة الشمسية والرياح 44% فقط من توليد الكهرباء بحلول عام 2030، وهو ما يقل عن عتبة 67% اللازمة لتحقيق نظام كهرباء خالٍ تمامًا من الكربون.
ويتمثّل التحدي الأكبر في الحد من الاعتماد على الغاز، الذي وفّر 33% من كهرباء المملكة المتحدة في 2023.
ورغم أن برنامج حزب العمال لا يتضمن خطة لتقليص محطات الكهرباء العاملة بالغاز، فقد تعهد بتخصيص 7.3 مليار جنيه إسترليني لتوسيع الصناعات منخفضة الكربون.
قطاع الطاقة المتجددة
من أهم إنجازات حكومة حزب العمال المنتخبة هو إطلاق شركة جديدة تُعرف بـ”غريت بريتش إنرجي” التي تهدف إلى التخلص من اعتماد بريطانيا على الوقود الأحفوري، ستكون مسؤولة عن إدارة مشروعات الطاقة النظيفة وتشغيلها.
وتعهّدت الحكومة باستثمار 8.3 مليار جنيه إسترليني في الشركة خلال مدة البرلمان الحالية، ومن المتوقع جمع هذا المبلغ من خلال ضريبة الأرباح غير المتوقعة على شركات النفط والغاز.
وقررت الحكومة الجديدة الآتي:
- إلغاء حظر تطوير مزارع الرياح البرية في إنجلترا والتعهّد بمضاعفة قدرة الرياح البرية بحلول عام 2030 إلى 35 غيغاواط.
- مضاعفة قدرة الرياح البحرية إلى 55 غيغاواط، وقدرة الطاقة الشمسية إلى 50 غيغاواط بحلول 2030.
- توفير 22 مليار جنيه إسترليني على مدى 25 عامًا لقطاعي احتجاز الكربون والهيدروجين.
- دعم مشروعات الطاقة النووية الجديدة، بما في ذلك المفاعلات المعيارية الصغيرة.
- مضاعفة إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى 10 غيغاواط.
أهداف جديدة لخفض الانبعاثات
في قمة المناخ “كوب 29” في أذريبجان، أعلن رئيس الوزراء السير كير ستارمر هدفًا جديدًا لخفض الانبعاثات السنوية للمملكة المتحدة بنسبة 81% مقارنة بمستويات 1990 بحلول عام 2035.
انتخابات الجمعية الوطنية في فرنسا (30 يونيو/حزيران -7 يوليو/تموز 2024)
أدت انتخابات الجمعية الوطنية (الغرفة الثانية في البرلمان الفرنسي) المبكرة في فرنسا -التي دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أواخر يونيو/حزيران- إلى تشكيل حكومة جديدة من تيار يمين الوسط بقيادة ميشال بارنييه، الذي كان وزيرًا للبيئة في تسعينيات القرن الماضي، وهو الذي أرسى بعض أسس السياسة البيئية في فرنسا، إلا أنه أُطيح به في تصويت بحجب الثقة في الجمعية الوطنية بعد قرابة 90 يومًا.
وفي محاولة لتحقيق الاستقرار في المشهد السياسي المنقسم، أعلنت فرنسا تشكيل حكومة جديدة بقيادة فرنسوا بايرو يوم الإثنين الموافق 23 ديسمبر/كانون الأول، مكلفة بسد الانقسامات العميقة داخل برلمان البلاد، وجمع الفصائل المختلفة وتنفيذ إصلاحات ذات مغزى، وبات على عاتق “بايرو” الآن مهمة تحقيق التوازن بين التعافي الاقتصادي والمسؤولية البيئية.
فقد ورث بايرو العديد من الملفات البيئية، أهمها:
- إستراتيجية الطاقة في فرنسا.
- أهداف خفض الانبعاثات.
- التكيف مع تغير المناخ.
- إحياء البرنامج النووي.
وعلى الرغم من ندرة حديثه عن القضايا المتعلقة بقطاع الطاقة، فقد دعا فرنسوا بايرو طوال مسيرته إلى تطوير الطاقة النووية والطاقة الحرارية الأرضية، وشملت مقترحاته السابقة قبل توليه منصب رئيس الوزراء:
- تمويل التنمية المستدامة.
- تعزيز إنتاج الكهرباء المتجددة بنسبة 40% بحلول عام 2030.
وقد تشكل هذه المقترحات سياساته الجديدة؛ شريطة التغلب على التحديات السياسية والاقتصادية.
أما بالنسبة لحكومة ميشال بارنييه السابقة، فكانت قد تعهدت -أيضًا- بتطوير الطاقة النووية، مع خطط لبناء 6 مفاعلات جديدة، وهو ما يتماشى مع خطة ماكرون لبناء 14 مفاعلًا جديدًا.
بالإضافة إلى ذلك، تراجعت عن خطط لزيادة ضرائب الكهرباء بعد تهديدات من اليمين المتطرف، إذ كانت تهدف إلى جمع 3 مليارات يورو لدعم الموازنة الفرنسية.
ورغم موقف بارنييه المعارض لطاقة الرياح البرية، استهدفت الحكومة الفرنسية السابقة تحقيق نمو سنوي في طاقة الرياح البرية بقدرة 1.5 غيغاواط، مع التركيز على طاقة الرياح البحرية.
الخلاصة..
تتباين سياسات الطاقة في انتخابات 2024 العالمية، إذ يروّج ترمب لمصادر الطاقة التقليدية، على عكس حزب العمال البريطاني الذي يركز على الطاقة المتجددة، في حين تواجه الحكومة الفرنسية تحديات في تطوير قطاع الطاقة وسط ظروف اقتصادية صعبة.
يمكنكم متابعة المزيد من حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2024 عبر الضغط (هنا)، كما يمكن الاطّلاع على حصاد عام 2023 (هنا).
المصادر:
- سياسات قطاع الطاقة في عهد ترمب من ترنسبورت توبيكس.
- خطط ترمب لقطاع النفط والغاز من رويترز.
- أهداف الطاقة المتجددة في بريطانيا من إنرجي أدفايس هاب.
- تطوير الطاقة النووية في فرنسا من مونتل نيوز.
- مقترحات رئيس الوزراء الفرنسي الجديد من إنرجي ريكروت.
إقرأ: انتخابات 2024 وقطاع الطاقة.. أبرز وعود الساسة وتحديات التنفيذ على منصة الطاقة