عالم الطاقة

صناعة بطاريات السيارات الكهربائية في 2024.. عام من الانتكاسات والإرجاءات المتتالية

واجهت صناعة بطاريات السيارات الكهربائية في 2024 سلسلة من الانتكاسات غير المتوقعة؛ إذ اتسم العام بمزيج من تباطؤ النمو والعقبات التقنية ومخاوف السلامة المتزايدة.

فقد أدى انخفاض مبيعات المركبات الكهربائية، وخاصة في أوروبا وأميركا الشمالية، إلى خفض توقعات إنتاج البطاريات وإثارة المخاوف بشأن قدرة القطاع على تحقيق الأهداف طويلة الأجل لتبني السيارات الكهربائية.

وفي خضم ذلك، عانت صناعة بطاريات السيارات الكهربائية تقليص الاستثمارات، وإفلاسًا لعمالقة الشركات، فضلًا عن حوادث في مرافق التصنيع، وفق ما جاء في ملف الحصاد السنوي لعام 2024 الصادر عن وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).

كما برزت تحديات إعادة تدوير بطاريات الليثيوم أيون، إلى جانب تباطؤ الزخم تجاه بطاريات الحالة الصلبة ضمن صدمات الصناعة خلال 2024.

أسعار بطاريات السيارات الكهربائية في 2024

سجلت أسعار بطاريات السيارات الكهربائية في 2024، وتحديدًا بطاريات الليثيوم أيون، أدنى مستوى على الإطلاق مع تراجعها بنسبة 20% على أساس سنوي، لتصل إلى عند 115 دولارًا لكل كيلوواط/ساعة، كما يرصد الرسم البياني أدناه:

أسعار بطاريات الليثيوم أيون

وخلال عام 2024، كان ثمة تفاوت في أسعار البطاريات إقليميًا؛ حيث بلغت أدنى مستوياتها في الصين عند 94 دولارًا لكل كيلوواط/ساعة، في حين كانت أعلى من ذلك في أميركا وأوروبا بنسبة 31% و48% على التوالي، مع ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض حجمه في هذه الأسواق.

وبصفة عامة، يُعزى انخفاض أسعار البطاريات إلى عوامل متعددة، أبرزها:

  • فائض القدرة الإنتاجية.
  • انخفاض أسعار المعادن المستعملة في تصنيع البطاريات.
  •  الابتكارات التقنية مثل تبني بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم.
  • تباطؤ نمو مبيعات السيارات الكهربائية.

وواجهت صناعة السيارات الكهربائية تحديات غير متوقعة خلال عام 2024؛ فبعد سنوات من الطلب القوي، يواجه القطاع رياحًا معاكسة، على سبيل المثال، حددت جمعية مصنعي السيارات الصينية هدف مبيعات لهذا العام عند 11.5 مليون وحدة، لكن أحدث التقديرات تشير إلى أنها بالكاد ستتجاوز 10 ملايين، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

كما عانت أوروبا ضعف الطلب؛ حيث انخفضت مبيعات السيارات الكهربائية العاملة بالبطارية بنسبة 19% على أساس سنوي في الأسواق الأوروبية الـ5 (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، المملكة المتحدة) خلال الربع الثالث من 2024، كما انخفضت مبيعات السيارات الهجينة 8%، بحسب شركة برايس ووتر هاوس كوبرز (PWC).

وتسبب الافتقار إلى البنية التحتية للشحن والوقت الطويل اللازم للشحن وارتفاع التكاليف الأولية، في تراجع معدلات تبني السيارات الكهربائية، خاصة أنها تتطلب سنوات، إن لم يكن عقودًا، للتغلب عليها؛ لذا سرعان ما ظهرت تداعياتها على سوق البطاريات.

فقد كثفت الشركات الاستثمار في صناعة البطاريات لتلبية الطلب المرتفع المتوقع، لكن ذلك لم يتحقق في عام 2024؛ إذ خلق تباطؤ مبيعات السيارات تحديات كبيرة أمام صناعة البطاريات، أبرزها:

  • وجود فائض في الإمدادات.
  • القدرة الإنتاجية غير المستغلة.
  • تدني معدلات العوائد على الاستثمارات.

تقليص استثمارات صناعة بطاريات السيارات الكهربائية

دفع تباطؤ المبيعات العديد من مصنعي المعدات الأصلية وشركات صناعة بطاريات السيارات الكهربائية إلى إعادة تقييم إستراتيجيات النمو خلال عام 2024، من خلال إلغاء الاستثمارات أو تأجيلها، ومن أبرز الأمثلة:

  • أرجأت شركة مرسيدس بنز هدف مبيعات السيارات الكهربائية -العاملة بالبطاريات والهجينة- البالغ 50% من عام 2025 إلى عام 2030.
  • تراجعت بورشه عن هدفها بأن تمثّل السيارات الكهربائية أكثر من 80% من مبيعات السيارات الجديدة عام 2030.
  • قررت شركة “أوتوموتيف سيلز”، وهي مشروع مشترك بين ستيلانتس وتوتال إنرجي ومرسيدس بنز، وقف تطوير مصنعين للبطاريات في أوروبا، بسعة 40 غيغاواط/ساعة.
  • ألغت شركة “سفولت” الصينية لتصنيع الخلايا خططًا لبناء مصنع بسعة 16 غيغاواط/ساعة في ألمانيا؛ نتيجة للتعرفات الجمركية.
  • أجّلت فولكسفاغن قرار تطوير مصنع رابع للبطاريات في أوروبا.
  • أعادت شركة فورد النظر في خططها للاستثمار في بطاريات السيارات الكهربائية، وقلّصت قدرة مصنعها في ولاية ميشيغان الأميركية من 35 غيغاواط/ساعة إلى 20 غيغاواط/ساعة.
  • أجّلت باناسونيك خططها لبناء مصنع بطاريات ثالث في الولايات المتحدة بسبب الشكوك حيال معدلات تبني السيارات الكهربائية.
  • أرجأت شركة نورث فولت تطوير مصنعها في مونتريال بكندا، والذي كان من المتوقع أن يبدأ الإنتاج بحلول عام 2026.
  • ألغت بي إم دبليو طلبًا للحصول على خلايا بطاريات الليثيوم أيون بقيمة ملياري يورو (2.11 مليار دولار) من شركة نورث فولت بسبب مراجعة محتملة للطلب وسط انخفاض مبيعات السيارات الكهربائية.
  • أرجأت شركة يوميكور البلجيكية (Umicore) بناء مصنع لمواد الكاثود في كندا بقيمة ملياري دولار أميركي، وتوقعت عامين آخرين من الخسائر في قسم مواد بطاريات السيارات الكهربائية.

إعلان إفلاس شركة نورث فولت ضربة لأوروبا

جاء تقدم شركة نورث فولت السويدية لإنتاج البطاريات بطلب للحماية من الإفلاس بمثابة ضربة قوية لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية في 2024، وتحديدًا لأوروبا، التي كانت تعوّل ذات يوم على الشركة لتنافس عمالقة الصناعة، مثل تيسلا الأميركية والشركات الصينية.

وباتت أهداف الشركة معرّضة للخطر؛ إذ تستهدف تحقيق قدرة إنتاجية تبلغ 230 غيغاواط/ساعة بحلول عام 2030 عبر مصانعها، وهو ما يكفي لتشغيل 3.8 مليون مركبة.

مصنع تابع لشركة نورث فولت لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية
مصنع تابع لشركة نورث فولت – الصورة من موقع الشركة

بالإضافة إلى ذلك، قرّرت الشركة تقليص عملياتها والعمالة؛ ما أثار مخاوف ضخمة إزاء مستقبل صناعة بطاريات السيارات الكهربائية في أوروبا، خاصة أن القارة تهدف لإنتاج 550 غيغاواط/ساعة من البطاريات بحلول عام 2030، بزيادة 5 أضعاف عن مستويات عام 2023.

وزاد الوضع سوءًا، عندما أعلنت الشركة التركيز على إنتاج خلايا البطاريات المسؤولة عن تخزين الطاقة الكيميائية، ويمثل ذلك تحولًا عن الرؤية الأصلية للشركة المتمثلة في كونها مزودًا شاملًا، بداية من إنتاج المواد وتصنيع البطاريات إلى إعادة التدوير عند انتهاء عمرها الافتراضي.

تحديات إعادة تدوير البطاريات في 2024

يمثل تباطؤ نمو مبيعات السيارات الكهربائية خلال 2024، إلى جانب زيادة الإمدادات من معادن البطاريات، تحديًا أمام جهود إعادة تدوير البطاريات، رغم الدعم السياسي القوي.

فقد أدى ذلك إلى انخفاض سعر كربونات الليثيوم المعاد تدويرها مقارنة بالمواد الخام، فقد أظهرت بيانات إس آند بي غلوبال بلاتس أن كربونات الليثيوم الأولية للبطاريات قُيمت عند 11.210 ألف دولار لكل طن بدءًا من 30 يوليو/تموز 2024، في حين تداولت المواد المعاد تدويرها بخصم 137.72 دولارًا لكل طن.

وتواجه الكتلة السوداء، المادة المشتقة من البطاريات المستعملة، تحديات مماثلة مع انخفاض قيم المواد الكيميائية للبطاريات، وتراجع سعر كبريتات الكوبالت بالقرب من أدنى مستوياته على الإطلاق.

ورغم أن هذه التقنية لا تزال في طور التطوير ولا يمكنها حتى الآن تلبية الطلب المتزايد على المعادن بالكامل؛ فإنها صناعة واعدة للحد من الاعتماد على التعدين عبر استعادة المواد من البطارية التي انتهي عمرها الافتراضي.

وتنبع هذه الحلول من المخاوف البيئية المرتبطة بصناعة بطاريات السيارات الكهربائية، بداية من التعدين ومعالجة المواد الخام، إلى تحديات البنية الأساسية.

وحاليًا، يُعاد تدوير نسبة ضئيلة من بطاريات الليثيوم أيون للسيارات الكهربائية مقارنة بنسبة 90% لبطاريات السيارات العاملة بالبنزين.

بطاريات الحالة الصلبة تفقد الزخم

كثيرًا ما أشادت الصناعة بالبطاريات ذات الحالة الصلبة بصفتها بديلًا واعدًا ويمكنها توفير مدى أطول وشحن أسرع مقارنة ببطاريات الليثيوم أيون التقليدية.

إلا أن عام 2024 كان شاهدًا على فصل جديد من الانقسام حول مزايا هذه البطاريات؛ إذ يعتقد الخبراء والمحللون أن الجدول الزمني لاعتمادها غير واضح، وسط تزايد العقبات التي تؤخر تطبيقها تجاريًا، وأبرزها:

  • تحديات إنشاء حزمة بطاريات ذات حالة صلبة يمكنها تحمل الضغط العالي مع القدرة على التمدد والانكماش في أثناء الشحن، والحد من تدهور الخلايا بمرور الوقت.
  • التحسينات المستمرة في بطاريات الليثيوم أيون جعلت منها خيارًا أكثر فاعلية.
  • ظهور البطاريات شبه الصلبة، التي تعتمد على مزيج من الإلكتروليتات الصلبة والسائلة؛ حيث تقود الصين تطويرها وتسويقها، وقدمت شركة “نيو” الصينية بطاريات بسعة 150 كيلوواط/ساعة بمدى يصل إلى 1000 كيلومتر.
  • تباطؤ الطلب في الغرب والمشكلات الفنية المتعلقة بالبطاريات ذات الحالة الصلبة، قد يدفع صوب البطاريات شبه الصلبة خلال السنوات المقبلة.
  • تزايد التحديات المتعلقة ببناء سلاسل توريد للبطاريات ذات الحالة الصلبة؛ بسبب الحاجة إلى مواد عالية الجودة بكميات كبيرة.
  • تتطور تقنيات البطاريات ذات الحالة الصلبة بمعدل 31% على أساس سنوي، وهذا ليس كافيًا لتجاوز أو استبدال تقنيات البطاريات الحالية.

حرائق في كبرى مصانع بطاريات السيارات الكهربائية

على الجانب الآخر، شهد عام 2024 سلسلة من الحوادث المرتبطة ببطاريات الليثيوم أيون، مسلطةً الضوء على مخاطر تخزين هذا النوع من بطاريات السيارات الكهربائية ومعالجتها داخل منشآت التصنيع وإعادة التدوير حول العالم.

فبداية من فرنسا إلى كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، تسببت هذه الحوادث في خسائر بشرية ومادية وأثارت القلق بشأن معايير السلامة المعتمدة في هذه الصناعة الحيوية.

حريق بمصنع لإعادة تدوير البطاريات في ميسوري
حريق بمصنع لإعادة تدوير البطاريات في ميسوري – الصورة من ميسوري إندبندنت

ورغم تنوع أسباب الحوادث وتداعياتها؛ فإنها تؤكد الحاجة الملحّة لاتخاذ تدابير أكثر صرامة لضمان سلامة المنشآت والعاملين، مع تعزيز الجهود لتحسين تقنيات التخزين وإعادة التدوير.

وهذه أبرزها:

  • في 17 فبراير/شباط، اندلع حريق في منشأة لإعادة تدوير البطاريات تابعة لشركة “سوسيتيه نوفيل دفيناج دى ماتو” تحتوي على قرابة 900 طن من بطاريات الليثيوم أيون في جنوب فرنسا، ولم يسفر الحادث عن خسائر ضخمة.
  • في 24 يونيو/حزيران، أسفر حريق مميت داخل مصنع لبطاريات الليثيوم في كوريا الجنوبية تديره شركة “أريسيل” لإنتاج البطاريات عن مصرع 22 شخصًا وإصابة 9 آخرين بعد انفجار مجموعة من خلايا البطاريات داخل مستودع يضم نحو 35 ألف وحدة.
  • في 29 سبتمبر/أيلول، اندلع حريق في مصنع تابع لشركة “كاتل” الصينية لصناعة البطاريات، دون التسبب في خسائر بشرية أو مادية ضخمة، وهو مزود رئيس لشركات تصنيع السيارات الكهربائية، بما في ذلك تيسلا.
  • في 30 أكتوبر/تشرين الأول، اضطر سكان بلدة في جنوب شرق ولاية ميسوري إلى إخلاء منازلهم بعد اندلاع حريق هائل في منشأة محلية تعالج بطاريات الليثيوم أيون وتعيد تدويرها تابعة لشركة “كريتيكال مينرال ريكفوري”، وتعرضت المنشأة لأضرار جسيمة دون وقوع إصابات أو وفيات.

الخلاصة..

واجهت صناعة بطاريات السيارات الكهربائية في 2024 تحديات كبيرة نتيجة لانخفاض الطلب على المركبات الكهربائية، بالإضافة إلى صعوبات أخرى تتمثل في الحوادث وتباطؤ الاستثمارات.

يمكنكم متابعة المزيد من حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2024 عبر الضغط (هنا)، كما يمكن الاطّلاع على حصاد عام 2023 (هنا).

المصادر:

  1. نماذج انهيار صناعة بطاريات السيارات الكهربائية من منصة الطاقة المتخصصة
  2. تقليص الاستثمارات في مشروعات بطاريات السيارات الكهربائية من إس آند بي غلوبال بلاتس
  3. الاتجاهات والتحديات لإعادة تدوير البطاريات من إس آند بي غلوبال بلاتس
  4. إفلاس نورث فولت يرمز لانهيار السيارات الكهربائية في أوروبا من إنرجي كونيكتس
  5. تراجع الضجة حول البطاريات ذات الحالة الصلبة من سي إن بي سي

إقرأ: صناعة بطاريات السيارات الكهربائية في 2024.. عام من الانتكاسات والإرجاءات المتتالية على منصة الطاقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى