تكلفة إنتاج النفط في سوريا.. رقم ضخم وغير متوقع
تمثل تكلفة إنتاج النفط في سوريا تحديًا كبيرًا، بعد ما شهدته البنى التحتية للقطاع من تدهور بسبب الحرب التي استمرت أكثر من 13 عامًا، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية.
وتُعَد تكلفة إنتاج النفط أحد أبرز العوامل المؤثرة في قدرة الدول على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية؛ إذ تؤدي دورًا حاسمًا في تحديد الربحية والجاذبية الاستثمارية لأي بلد.
وفي هذا السياق، تُسلط منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) الضوء على تكلفة إنتاج النفط في سوريا وتستعرض مقارنة مع دول أخرى بالمنطقة، لبحث فرص تنافسية هذا القطاع الحيوي.
فمع التطورات الأخيرة التي شهدتها البلاد، وعودة الاهتمام بقطاع النفط لاستعمال عائداته لعمليات الإعمار، يثار التساؤل حول قدرة النفط السوري على المنافسة إقليميًا، مقارنة بالمنتجين الرئيسين مثل العراق والسعودية.
في هذا السياق، تُطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة سوريا على استعادة عافيتها النفطية ومدى إمكان أن تؤدي دورًا تنافسيًا في الأسواق الإقليمية، ولا سيما مع دخول لاعبين جدد إلى المشهد النفطي، وتحولات كبيرة في الطلب على الطاقة عالميًا.
وتاريخيًا، كانت سوريا تعتمد على قطاع النفط لتأمين جزء كبير من إيراداتها، إذ كان النفط يشكل موردًا حيويًا في الاقتصاد الوطني، إلا أن الأوضاع السياسية والاقتصادية التي عصفت بالبلاد منذ 2011 أدت إلى انخفاض الإنتاج بشكل حاد، وارتفاع تكلفة الإنتاج نتيجة تدمير البنية التحتية وصعوبة الوصول إلى الحقول.
هذا الوضع يجعل من الصعب لسوريا أن تنافس دولًا مثل العراق والسعودية، التي تتمتع بتكاليف إنتاج أقل وبنى تحتية قوية.
تكلفة إنتاج النفط السوري
تبرز تحديات معقّدة فيما يتعلق بتكلفة إنتاج النفط السوري؛ إذ تشير التقديرات إلى أن التكلفة لكل برميل منتج في سوريا تبلغ 35 دولارًا، لتفوق بذلك المعدلات الإقليمية بشكل كبير.
وتشمل أسباب هذا الارتفاع تدهور البنية التحتية وتأثر حقول النفط الرئيسة في دير الزور والحسكة، وعدم القدرة على استيراد معدات وتقنيات متطورة بسبب العقوبات الأميركية والبريطانية والأوروبية، بالإضافة إلى تكاليف النقل والأمن في ظل النزاعات المسلحة.
وقبل عام 2011، كانت سوريا تنتج نحو 385 ألف برميل يوميًا، لكن هذا الرقم انخفض إلى أقل من 30 ألف برميل يوميًا في السنوات الأخيرة.
ويرصد الرسم البياني التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- إنتاج سوريا من النفط الخام والمكثفات والسوائل الغازية منذ عام 1968 حتى 2023:
مقارنة تكلفة إنتاج النفط في سوريا والعراق والسعودية
عند مقارنة تكلفة إنتاج النفط في سوريا والعراق والسعودية، نجد أنه، على الصعيد الإقليمي، يُمثل العراق والسعودية أبرز منافسي سوريا في سوق النفط؛ إذ تعد تكلفة إنتاج النفط في السعودية الأدنى عالميًا، بحسب ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وتُقدّر تكلفة إنتاج البرميل الواحد في المملكة بما يتراوح بين 3 و5 دولارات، بسبب البنية التحتية المتطورة والاحتياطيات الضخمة وسهولة استخراج النفط الخام واستعمال التقنيات المتطورة.
وبلغ متوسط تكلفة استخراج برميل النفط في السعودية، عام 2023، نحو 3.19 دولارًا، في حين بلغ متوسط النفقات الرأسمالية لأنشطة الاستخراج نحو 6.3 دولارًا للبرميل، وفقًا لبيانات شركة أرامكو.
أما العراق، الذي يشترك مع سوريا في بعض التحديات مثل الفساد وعدم الاستقرار الأمني؛ فقد تمكّن من تحقيق مستويات إنتاج أعلى بكثير، مع تكلفة إنتاج تتراوح بين 10 و16 دولارًا للبرميل.
ويعود ذلك إلى استثمارات ضخمة من شركات عالمية مثل بي بي البريطانية وإكسون موبيل، بالإضافة إلى التحسن التدريجي في بعض الحقول الرئيسة، مثل غرب القرنة والبصرة وكركوك.
في المقابل، تُقدر تكلفة إنتاج النفط في سوريا بما يتجاوز 35 دولارًا للبرميل، ما يضعها في مرتبة غير تنافسية مقارنة بجيرانها؛ إذ يجعل هذا الفارق الكبير في التكاليف من الصعب لسوريا جذب المستثمرين أو المنافسة في الأسواق العالمية.
قدرة النفط السوري على المنافسة إقليميًا
يعوق ارتفاع تكلفة إنتاج النفط في سوريا قدرته على المنافسة في الأسواق الإقليمية؛ إذ تصبح الصادرات السورية، في ظل هذه الظروف، أقل جاذبية للمشترين مقارنة بالنفط السعودي أو العراقي الذي يتمتع بتكلفة أقل وجودة أعلى.
ومع تزايد التوجه العالمي نحو الطاقة المتجددة وتحول الأسواق نحو مصادر طاقة أقل تكلفة وأكثر استدامة، يبدو أن سوريا تواجه معركة شاقة للحفاظ على مكانتها.
وحتى مع التحسن التدريجي في الأوضاع السياسية، ستحتاج البلاد إلى استثمارات ضخمة في إعادة بناء البنية التحتية وتبني تقنيات حديثة لخفض تكلفة الإنتاج؛ الأمر الذي قد يستغرق سنوات.
وخلال الوقت الذي تسعى فيه دمشق لاستعادة مكانتها بصفتها منتجًا للنفط، تبقى تكلفة إنتاج النفط في سوريا عائقًا رئيسًا أمام تحقيق هذا الهدف.
وتعتمد القدرة التنافسية للنفط السوري بشكل كبير على تحسين الأوضاع الأمنية، وجذب الاستثمارات، وإعادة بناء البنية التحتية.
ومع استمرار التطورات الإقليمية والعالمية في قطاع الطاقة، قد تحتاج الإدارة السورية الجديدة إلى تنويع إستراتيجياتها للتركيز على أسواق محلية أو إقليمية أقل تنافسية.
وعلى ذلك، يظهر أن خفض تكلفة إنتاج النفط في سوريا وإعادة هيكلة القطاع هما السبيل الوحيد لتحقيق تقدم ملموس في قدرة قطاع النفط السوري على المنافسة؛ ما يتطلب التزامًا كبيرًا على المستويات الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية.
موضوعات متعلقة..
- الاستخلاص المعزز.. تقنية فعالة لزيادة إنتاج حقول النفط في سوريا
- قطاع النفط والغاز في سوريا يترقّب دعم الدول الصديقة.. ما دور تركيا؟
اقرأ أيضًا..
- مصر تخطط لزيادة قدرات الطاقة المتجددة إلى 10 آلاف ميغاواط في 2025
- توربينات الرياح في ألمانيا “تخنق” الشبكة.. إلى أين يصل الهوس؟
- الطاقة الشمسية في تونس تترقّب 4 مشروعات جديدة
المصدر..
إقرأ: تكلفة إنتاج النفط في سوريا.. رقم ضخم وغير متوقع على منصة الطاقة