التغيرات المناخية تهدد قطاع الزراعة في الجزائر (مقال)
تُعدّ التغيرات المناخية من أبرز القضايا التي تؤثّر بمختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية حول العالم.
ولا يُستثنى قطاع الزراعة في الجزائر من هذه التأثيرات المتزايدة، إذ يُعدّ هذا القطاع شريانًا حيويًا للاقتصاد الوطني، ويؤدي دورًا أساسيًا في تأمين الغذاء للسكان وتعزيز الأمن الغذائي.
ومع ذلك، فإن التحديات البيئية الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض معدلات الأمطار، وزيادة فترات الجفاف، تهدد استدامة الزراعة في الجزائر، وتضعها أمام مفترق طرق.
ورغم التحديات، يبرز العديد من الفرص التي يمكن أن تسهم في تعزيز استدامة الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي، من خلال تبنّي إستراتيجيات مبتكرة ومستدامة تتماشى مع خصوصيات المناخ المحلي.
قطاع الزراعة في الجزائر
تُعدّ التغيرات المناخية من أبرز التحديات التي تؤثّر كثيرًا بقطاع الزراعة في الجزائر، فزيادة درجات الحرارة وانخفاض الأمطار يعوقان الظروف المثلى لزراعة المحاصيل، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية، خصوصًا في المناطق الجافة وشبه الجافة.
كما أن التغيرات المناخية تؤدي إلى نقص الموارد المائية، إذ تتسبب في تقلبات بأنماط الأمطار، مما يزيد من فترات الجفاف، ويشكّل ضغطًا على موارد المياه المتاحة، مما يؤثّر مباشرةً بالمحاصيل المروية.
بالإضافة إلى ذلك، يُسهم تغير المناخ في تدهور التربة الزراعية وزيادة ملوحتها، مما يقلل من خصوبتها وقدرتها على دعم المحاصيل الزراعية، خصوصًا في المناطق الجنوبية من الجزائر.
كما تسهم هذه التغيرات في زيادة تواتر وشدة الأحداث المناخية المتطرفة مثل العواصف الرملية والحرائق والفيضانات، مما يؤدي إلى خسائر كبيرة في المحاصيل الزراعية، ويشكّل تهديدًا للاستقرار الزراعي.
وتؤثّر التغيرات المناخية أيضًا سلبًا بالأمن الغذائي في الجزائر، إذ يقلّ إنتاج المحاصيل الزراعية، مما يزيد من الاعتماد على الاستيراد، ويزيد من تحديات تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي.
من جهة أخرى، تؤدي التغيرات إلى تهديد التنوع البيولوجي الزراعي، إذ تتغير الأنماط الزراعية والبيئية، مما يهدد المحاصيل التقليدية والنباتات المتأقلمة مع المناخ المحلي.
وفي مواجهة هذه التحديات، من الضروري تبنّي إستراتيجيات زراعية مرنة، مثل تحسين نظم الري واستعمال أساليب الزراعة المتكاملة التي تتلاءم مع التغيرات المناخية لضمان استدامة الأنظمة الزراعية في الجزائر.
الأراضي الزراعية في الجزائر
بلغت المساحة الإجمالية للأراضي الزراعية في الجزائر نحو 43 مليون هكتار، منها 8.5 مليون هكتار استُغِلَّت فعلًا، أي ما يعادل نحو 19.7% من المساحة الإجمالية.
وتشكّل الأراضي المستغَلة بصفتها مراعي نحو 33 مليون هكتار، بينما تغطي الغابات والسهوب المزروعة بنبات الحلفاء نحو 6.6 مليون هكتار.
وتتّسم الزراعة الجزائرية بطابعها الريفي الصغير والمتوسط الحجم، إذ يواجه العديد من التحديات مثل انخفاض الإنتاج والضغط الحضري، الذي يؤدي إلى تحويل أراضٍ زراعية لصالح البنية التحتية.
ومع ذلك، شهد قطاع الزراعة في الجزائر خلال العقد الأخير نموًا ملحوظًا مقارنةً بالقطاعات الاقتصادية الأخرى، بفضل إستراتيجيات تهدف إلى تعزيز الإنتاج.
الأمن الغذائي في الجزائر
أسهمت السياسات والبرامج الوطنية مثل “برنامج التنمية الوطنية للزراعة وسياسة التجديد الزراعي والريفي” في تحسين إنتاج القطاع الزراعي.
وتعكس هذه الإستراتيجيات في زيادة مساهمة الزراعة بالناتج المحلي الإجمالي من 8.5% في عام 2000 إلى 12.2% في عام 2018، كما تسهم هذه السياسات في تحسين الإنتاج وتخفيض الاعتماد على الواردات الغذائية وتعزيز الأمن الغذائي الوطني.
أمّا في المناطق الجنوبية، فقد أسهم تنفيذ عدّة برامج للتنمية الزراعية في تحسين الظروف المعيشية وزيادة دخل السكان الريفيين.
ويعزز استثمار الإمكانات المائية والطبيعية في هذه المناطق تطوير الزراعة الصحراوية من خلال استصلاح أراضٍ جديدة.
ويُقدَّر الاحتياطي السنوي من المياه الجوفية في الصحراء بنحو 6.1 مليار متر مكعب بحلول عام 2050، ما سيسهم في زيادة الإنتاج بنسبة 30% على الأقل من الخضروات والحبوب واللحوم الحمراء، ومن ثم تعزيز الأمن الغذائي في البلاد.
تحديات قطاع الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي
يواجه قطاع الزراعة في الجزائر مجموعة من التحديات التي تهدد استدامته، وتتمثل أبرز هذه التحديات في عدّة عوامل بيئية، واقتصادية، واجتماعية.
ومن أهم هذه التحديات التغيرات المناخية التي تسهم في ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الأمطار، مما يؤثّر سلبًا بالإنتاج الزراعي، خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة.
كما أن نقص الموارد المائية يشكّل تحديًا كبيرًا، إذ يعتمد القطاع الزراعي على الري أساسًا، ومع التغيرات المناخية وزيادة فترات الجفاف، فإن الضغط على مصادر المياه يتزايد.
من جهة أخرى، يؤدي الجفاف المستمر إلى تدهور التربة وزيادة الملوحة، مما يحدّ من خصوبة الأراضي الزراعية، خصوصًا في المناطق الجنوبية.
إضافة إلى ذلك، تعاني الجزائر من اعتماد كبير على استيراد المنتجات الغذائية، مما يهدد الأمن الغذائي المحلي، مع وجود عجز تجاري في القطاع الزراعي بلغ نحو 9 مليارات دولار.
يضاف إلى هذه التحديات التوسع العمراني السريع الذي يحوّل الأراضي الزراعية إلى مشاريع سكنية وصناعية، مما يقلّص المساحات المتاحة للزراعة.
وعلى الجانب الاقتصادي، رغم وجود العديد من البرامج الحكومية التي تهدف إلى دعم القطاع الزراعي في الجزائر، فإن هناك تحديات تتمثل في محدودية الوصول إلى التمويل اللازم من قبل الفلّاحين لتحسين الإنتاج وتطوير الأراضي الزراعية.
كما أن القطاع الزراعي يواجه صعوبة في توفير بنية تحتية حديثة وفعّالة، وهو ما يؤثّر بكفاءة تخزين المحاصيل وتوزيعها.
وتستدعي هذه التحديات جهودًا مستمرة لتطوير البنية التحتية الزراعية وتحسين السياسات التمويلية لدعم الاستدامة في القطاع الزراعي.
* د.منال سخري – أستاذة وخبيرة في السياسات البيئية والتنمية المستدامة.
* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- الأمن المائي في الجزائر.. خطط طموحة للتكيف مع تغير المناخ (مقال)
- كفاءة الطاقة بقطاع النقل في الجزائر.. كيف تدعم العمل المناخي؟ (مقال)
اقرأ أيضًا..
- كفاءة محطات الكهرباء تكشف الستار عن خلل منظومة الطاقة في إيران (تقرير)
- اكتشاف نفط وغاز على يد حفارة عملاقة كانت في طريقها لمصر
- قطاع الطاقة في المغرب 2024… اكتشافات الغاز ونتائجها تسيطر على المشهد
إقرأ: التغيرات المناخية تهدد قطاع الزراعة في الجزائر (مقال) على منصة الطاقة