الكهرباء والطاقة

د.محمد سليم يكتب ..رسالة إلى دولة رئيس مجلس الوزراء: خارطة طريق لإصلاح بيئة الأعمال في مصر

سيادة دولة رئيس مجلس الوزراء..
أكتب إليكم هذه الرسالة من منطلق حرصي الوطني ورغبتي في تقديم هدية صادقة على شكل “تغذية راجعة” (Feedback)، أرجو أن تقبلوها بعين التقدير والاعتبار، لقد أتيحت لي فرصة متابعة المؤتمر الصحفي الأخير الذي عقدتموه مع رجال الأعمال، والذي اتسم بالوضوح والصراحة في تشخيص المشكلات التي تعاني منها بيئة الأعمال في مصر.
إن بيئة الأعمال في مصر تمر بتحديات كبيرة تعوق تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، على الرغم من وجود مبادرات ومزايا قدمتها الدولة لدعم القطاع الخاص، إلا أن النتائج لم تكن كما هو متوقع، ومع كل التقدير لهذا الجهد، فإن بعض رجال الأعمال استفادوا بشكل كبير من المزايا الممنوحة لهم دون غيرهم ، ومع ذلك عددا كبيرًا منهم فضل تحويل استثماراته إلى الخارج حفاظا على اصول شركاته، مما أثر سلبًا على الاقتصاد الوطني،
ودعنى اشارك برايي المتواضع ان جوهر المشكلة أعمق مما تم طرحه، حيث ان بيئة الأعمال في مصر أصبحت مليئة بالتحديات الداخلية والخارجية والمحلية والعالمية، منها نتيجة لمزيج من القرارات الاقتصادية غير المدروسة، والممارسات الإدارية التقليدية التي عفا عليها الزمن ومنها ماهو مفروض على مصر بطرق قصرية وربما مقصودة،
وهذه الرسالة تهدف إلى إلقاء الضوء على الأسباب الجوهرية للمشكلة وتقديم اقتراحات عملية لرسم خارطة طريق للإصلاح.
أولاً: تشخيص المشكلة – لماذا أصبحت بيئة الأعمال في مصر غير مرحب بها لدى رجال الاعمال وانتقالهم الى الاسواق المجاورة ؟
القرارات غير المدروسة وتأثيرها السلبي على الاقتصاد
على سبيل المثال لا الحصر ، لا يمكن فصل ما حدث في العام الماضي، من فصل التيار الكهربائي بشكل يومي ولمدد طويلة بهدف توفير الوقود ومن ثم توفير ملايين الدولارات، كان له تداعياته السلبية على الاقتصاد والمواطنين.
وهذا القرار، رغم أنه قد يبدو مفيدًا من الناحية المالية قصيرة المدى للادارة التقليدية، لكنه كان قرارًا ضعيفًا استراتيجيًا لم يأخذ في الاعتبار التأثيرات طويلة المدى على:
الصناعات الإنتاجية التي تعطلت وفقدت القدرة على تلبية احتياجات السوق.
السياحة التي تأثرت سلبًا، حيث لا يمكن لأي وجهة سياحية أن تجذب الزوار في ظل انقطاع مستمر للكهرباء.
ثقة المستثمرين الذين رأوا في هذا القرار علامة على غياب التخطيط المستقبلي وإدارة الأزمات.
على منظومة الكهرباء نفسها من محطات توليد ومحطات محولات ولوحات توزيع من التشغيل الاقتصادى او العمر الافتراضى للمهمات.
النتيجة كانت تدهور ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في الاقتصاد المصري، وظهور حركة واسعة لتحويل رؤوس الأموال والشركات إلى الخارج، خوفًا من القرارات المفاجئة وغير المدروسة.
بقاء القيادات الإدارية لفترات طويلة دون تغيير
إحدى المشكلات الرئيسية في مصر هي تجديد الثقة في مجالس إدارات الهيئات الحكومية وشركات قطاع الأعمال العام لفترات تتجاوز مدتين (8 سنوات وأكثر)، مما أدى إلى:
تراكم المشكلات دون حلول جذرية بسبب تعود القيادات على الأوضاع القائمة.
غياب الابتكار والتطوير، حيث أصبح التركيز على الحفاظ على الوضع الراهن بدلاً من التغيير والتطوير.
ضعف الأداء المؤسسي، لأن بقاء نفس الأشخاص لفترات طويلة يجعلهم يفقدون الحس النقدي تجاه المشكلات، ويتعاملون معها كأمر واقع لا يمكن تغييره.
ما يحدث اليوم في الهيئات الحكومية يعكس تجميد الأفكار والإبداع، في وقت تحتاج فيه مصر إلى تجديد الدماء وضخ الكفاءات الشابة القادرة على التعامل مع التحديات المعاصرة بعقلية جديدة.
غياب الحوكمة وضعف الشفافية
تشير الأرقام إلى أن هناك مشروعات حكومية عديدة لم يتم تقييمها بشكل دوري، ولم يتم نشر معلومات دقيقة حول الجدوى الاقتصادية منها أو العوائد المتحققة.
غياب الشفافية والمساءلة يؤدي إلى اتخاذ قرارات مبنية على تقديرات غير واقعية، ويُبعد الحكومة عن المسار الصحيح لتحقيق التنمية.
الاعتماد على القطاع الخاص كمستشارين دون إصلاح داخلي
أعلنتم في المؤتمر الصحفي عن تشكيل لجان استشارية من القطاع الخاص لمساعدة الحكومة في اتخاذ القرارات.
لكن اسمحوا لى ان أوضح أن هذه الخطوة اعترافا ضمنيا بضعف الاداء الحكومى وليست الحل الأمثل في ظل استمرار المشكلات الإدارية داخل الجهاز الحكومي.
القطاع الخاص له مصالحه وأجنداته الخاصة، ولن يتناغم مع الهيكل الحكومي التقليدي.
دون إصلاح حقيقي للنظام الإداري الحكومي، فإن هذه الاستشارات ستبقى قاصرة، وستؤدي إلى تفاقم التعارض في المصالح.
ثانياً: خارطة طريق لإصلاح بيئة الأعمال في مصر
الرؤية:
تحقيق بيئة أعمال محفزة وجاذبة للاستثمارات، تساهم في تحقيق النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة، من خلال بناء نظام حوكمة قوي وفرق عمل قادرة على اتخاذ القرارات الصائبة.
الأهداف الاستراتيجية:
إصلاح الهيكل الإداري:
إعادة هيكلة الأجهزة الحكومية لتكون أكثر كفاءة ومرونة.
تطبيق تقنيات الإدارة الحديثة لتحسين الأداء.
تعزيز الشفافية والمساءلة:
إنشاء منصات رقمية لنشر المعلومات حول المشاريع الحكومية.
تقوية دور الأجهزة الرقابية لضمان الامتثال.
تحفيز الاستثمار المحلي والدولي:
تقديم حوافز مشروطة تحقق مصالح الطرفين.
تسهيل الإجراءات وتقليل البيروقراطية.
تمكين الكفاءات الوطنية:
جذب العقول الشابة وتوفير برامج تدريب متقدمة.
تمكين القيادات من استخدام أساليب القيادة التشاركية.
خطوات التنفيذ:
تشكيل فريق عمل حكومي متخصص: يضم كفاءات من مختلف المجالات، مع التركيز على الابتكار والتطوير.
تطوير نظام رقابي مستقل: للتأكد من تنفيذ السياسات وفق المعايير المحددة.
إطلاق برامج حوار مجتمعي: لضمان مشاركة جميع الأطراف المعنية في صياغة القرارات.
استخدام التكنولوجيا الحديثة: مثل الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات ودعم اتخاذ القرار.
اصلاح النظام الإداري الحكومي
إعادة هيكلة الوزارات والهيئات الحكومية بما يضمن إزالة الهياكل البيروقراطية المعطلة.
تحديد فترة تولي المناصب القيادية بفترتين فقط (8 سنوات) لضخ دماء جديدة وأفكار مبتكرة.
تطبيق نظام تقييم دوري للأداء وفق مؤشرات واضحة تعتمد على النتائج، وليس على الولاءات أو العلاقات.
تعزيز الشفافية والمساءلة
إطلاق منصة حكومية رقمية لعرض تقارير الأداء للمشروعات الحكومية، بما يتيح للجمهور والمستثمرين الاطلاع عليها.
تفعيل دور الأجهزة الرقابية لضمان تنفيذ السياسات الحكومية وفق المعايير المحددة.
اتخاذ القرارات بناءً على دراسات جدوى شاملة
القرارات الاقتصادية يجب أن تستند إلى دراسات جدوى واقعية تأخذ في الاعتبار التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية طويلة المدى.
منع اتخاذ قرارات مفاجئة تؤثر سلبًا على بيئة الأعمال، دون وجود خطط بديلة لتقليل الضرر.
تمكين الكفاءات الوطنية والشباب
إطلاق برامج تدريب قيادية للشباب لإعدادهم لتولي مناصب قيادية في الحكومة.
تمكين الكفاءات الوطنية من المشاركة في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، بدلًا من الاعتماد فقط على مستشارين اجانب وتجاهل اصحاب الخبرة المصريين .
تحرير سوق الطاقة – ضرورة اقتصادية ملحّة
إن أحد الأسباب الرئيسية التي تعيق الاستثمار في مصر هو سيطرة الحكومة على سوق الطاقة، سواء في الكهرباء أو الغاز الطبيعي، مما يؤدي إلى غياب المنافسة الحقيقية، وفرض أسعار غير تنافسية، وإهدار للموارد.
ولقد أثبتت التجارب العالمية أن تحرير سوق الطاقة وفتح المجال أمام شركات خاصة لإنتاج وبيع الكهرباء والغاز، سواء للمواطنين أو للمصانع، دون تحمل الدولة او شركة النقل المصرية اعباء مالية اضافية يؤدي إلى تحسين جودة الخدمة، وخفض التكاليف بسبب المنافسة، وزيادة الاستثمارات في قطاع الطاقة.
خطوات عملية لتحرير سوق الطاقة في مصر:
إدراج شركات الكهرباء والغاز الحكومية في البورصة:
يجب أن يتم تحويل شركات إنتاج الكهرباء وشركات التوزيع إلى شركات مساهمة وإدراجها في البورصة المصرية، مع فتح المجال للمستثمرين من القطاع الخاص للمساهمة فيها.
هذا الإجراء سيؤدي إلى زيادة الشفافية والمساءلة، حيث ستُصبح هذه الشركات مطالبة بنشر تقارير مالية دورية والإفصاح عن أدائها أمام المستثمرين.
فتح السوق أمام المنافسة:
السماح بوجود شركات خاصة لإنتاج وتوزيع الكهرباء والغاز.
إتاحة الفرصة أمام المواطنين والمصانع لاختيار المورد الأنسب للطاقة من حيث السعر والجودة، بدلًا من الاعتماد الحصري على الشركات الحكومية.
تطبيق نظام “الشهادات الخضراء”:
السماح ببيع وشراء الكهرباء المنتجة من مصادر متجددة من خلال شهادات طاقة تصدرها منصة قومية معتمدة ، مما يفتح الباب أمام صغار المستثمرين لبيع الطاقة الفائضة لديهم.
تحديد هيئة تنظيمية مستقلة:
يجب أن تكون هناك هيئة تنظيمية مستقلة تُشرف على سوق الطاقة، لضمان التنافسية ومنع الاحتكار، ومع جهاز تنظيم المرفق وحماية المستهلك ولكل منهما دوره طبقا للقانون واليات السوق.
الختام
سعادة دولة رئيس الوزراء،
لقد حصلتم على أعلى الدورات التدريبية في القيادة والإدارة، ويُشهد لكم بالاجتهاد والشفافية في التعامل مع الملفات الصعبة، وعذرا اذ سمحت لنفسى بتقديم هذه الهدية من اجل هذا الوطن وتهدف إلى:
تجديد الدماء في الهيئات الحكومية.
تعزيز الحوكمة والشفافية.
تمكين الكفاءات الوطنية.
إن نجاحكم في تحقيق هذا التحول سيكون له أثر عظيم على استعادة ثقة المستثمرين، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وخلق بيئة أعمال جاذبة للاستثمارات.
أرجو أن تقبلوا رسالتي ، فهي هدية صادقة هدفها تحقيق المصلحة العامة، وإن خانني التعبير فلا يفوتنى التقدير لشخصكم الكريم.
مع فائق الاحترام والتقدير،
د.م. محمد سليم سالمان
استشارى الطاقة المتجددة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى