عالم الطاقة

أسعار ومخزونات الغاز الأوروبية على صفيح ساخن.. من الرابحون والخاسرون؟

تمرّ أسعار ومخزونات الغاز الأوروبية بمنعطف خطر خلال العام الجاري 2025، خاصة بعدما وقعت بين مطرقة انتهاء اتفاق تصدير الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية، وسندان زيادة الطلب وسط التقلبات الجوية والموجات شديدة البرودة.

ويأتي ضغط الطلب على الغاز بالقارة العجوز في توقيت حرج للغاية، إذ تزداد المخاوف من اتّساع رقعة العقوبات المفروضة على موسكو، أسوةً بما واجهته شركات وناقلات النفط قبل أيام قليلة.

ووفق أول بيانات عالمية من نوعها، كشف تقرير “مستجدات أسواق الغاز العربية والعالمية في 2024” السنوي، الصادر عن وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)، أن واردات دول الاتحاد ألأوروبي كافة من الغاز المسال الروسي ارتفعت 11.6% خلال العام الماضي.

وقُدِّرت الواردات الأوروبية من روسيا بنحو 17.36 مليون طن من الغاز المسال، مسجلةً رقمًا قياسيًا مقارنة بالعام السابق له (2023) الذي بلغت وارداته 15.54 مليون طن.

ويحذّر محللون من تسبُّب تقلبات الطلب الأوروبية في دفع أسعار الغاز إلى مستويات مرتفعة جديدة، فضلًا عن الضغط على إمدادات السوق العالمية والتأثير في خريطة الإمدادات.

أسواق الغاز في أوروبا

قد تشهد أسواق الغاز في أوروبا -خلال العام الجاري- انطلاق شرارة صراع جديد على الإمدادات، ما يعيد للأذهان تقلبات السوق العنيفة عام 2022، بعد اندلاع الحرب الأوكرانية.

وينعكس ذلك بالضرورة على كل من مستويات المخزونات والأسعار، وفق تحليل لوكالة بلومبرغ.

أولًا.. مخزونات الغاز الأوروبية

بعد أن هدأت الأسواق تدريجيًا العامين الماضيين، يُشير تراجع المخزونات الأوروبية إثر موجة شديدة البرودة الأسبوع الجاري، ونقص المعروض، إلى أزمة جديدة تمتد تداعياتها إلى دول آسيوية وأفريقية.

وأشار محلل السلع لدى بنك الاستثمار السويسري “يو بي إس” جيوفاني ستانوفو، إلى تراجع مخزونات الغاز في القارة العجوز لـ66.38%، وفق ما أورده في تدوينة له بموقع “إكس”.

وتفصيليًا، تراجعت المخزونات الألمانية إلى 72.92%، والإيطالية 73.73%، والفرنسية 53.23%، والهولندية 50.17%، والنمساوية 72.96%، والإسبانية 78.72%، طبقًا لبيانات منصة التحديث اليومي لمخزونات الغاز الأوروبية جي آي إي (GIE – AGSI).

ورغم تسجيل أسعار الغاز في القارة تراجعًا منذ مطلع العام الجاري، واستمرار المخزونات عند أرقام معقولة وليست كارثية، فإن موجة البرد التي ضربت الطقس مؤخرًا تُنذر بتقليص إضافي للمعروض المحدود.

منشأة لتخزين الغاز في بلغاريا
منشأة لتخزين الغاز في بلغاريا – الصورة من 3 Seas Europe

ثانيًا.. أسعار الغاز الأوروبية

تسجل أسعار الغاز الأوروبية في العقود الآجلة مستوى أعلى من العام الماضي بنحو 45%، ما يؤثّر بدوره في أسعار السوق الفورية الآسيوية.

ولفت مسؤول الاستخبارات التجارية لدى سمسار الطاقة “بوتين أند بارتنرز”، جايسون فير، إلى مواصلة تسجيل أسعار الغاز معدلات مرتفعة، متوقعًا تسبُّب احتدام المنافسة على الشحنات (حال استنزاف المخزونات في آسيا والمحيط الهادئ) في رفع الأسعار لمستويات أعلى.

وطبقًا للمثل الشهير “مصائب قوم عند قوم فوائد”، فإن الضغوط والتقلبات في سوق الغاز المسال تنعكس إيجابًا على البائعين والمورّدين، الذين يحصدون أرباحًا إضافية مع ارتفاع الأسعار، مثلما حدث في ذروة أزمة الطاقة قبل 3 أعوام.

وسجلت أسعار عقود فبراير/شباط المقبل ارتفاعًا قدره 5.5% بحلول الساعة 3:00 بتوقيت مكة المكرمة ليوم 13 يناير/كانون الثاني 2025.

ويعادل ذلك 47.490 يورو/ميغاواط (48.41 دولارًا أميركيًا/ميغاواط)، حسب مؤشر تي تي إف الهولندي (المقياس المرجعي لأسعار الغاز الأوروبية).

الطلب الأوروبي على الغاز المسال

تدفع التقلبات الأوروبية في مستوى التخزين باتجاه تغيُّر خريطة الطلب على الغاز المسال وأحجام الواردات.

وكانت 3 دول أوروبية (هي: فرنسا، وإسبانيا، وبلجيكا) قد استوردت 15.44 مليون طن من الغاز المسال الروسي العام الماضي، بما يعادل 46% من إجمالي صادرات موسكو، وفق بيانات تقرير وحدة أبحاث الطاقة.

وكشف محلل الطاقة لدى “إم إس تي ماركي”، سول كافونيك، أن أوروبا بحاجة إلى زيادة وارداتها الإجمالية من الغاز المسال (سواء من روسيا أو غيرها) بنسبة 10%، بما يعادل 10 ملايين طن فوق وارداتها للعام الماضي.

ويوضح الرسم التالي -من إعداد وحدة أبحاث الطاقة- أكبر دول أوروبية مستوردة للغاز المسال، العام الماضي:

أكبر 10 دول مستوردة للغاز المسال في أوروبا في 2024

وحذّر إستراتيجي السلع في بنك أوف أميركا، فرانشيسكو بلانش، من “فجوة طاقة” قد تضرب أوروبا، عبر توجيه الواردات باتجاه تعويض غياب غاز الأنابيب الروسي وتلبية الطلب، بدلًا من إنعاش المخزونات الآخذة في التآكل.

وأضاف أن التعطش الأوروبي الشديد لإمدادات الغاز يُشير إلى أن إنتاج المشروعات العالمية -التي ستدخل حيز التشغيل العام الجاري- سيتجه فقط لتعويض نقص إمدادات موسكو.

وتعدّ المشروعات الأميركية الأوفر حظًا في هذا الشأن، في ظل اتجاه الرئيس الجديد دونالد ترمب للتهديد بضرورة زيادة أوروبا لواردات النفط والغاز من بلاده، وتوقعات تدفّق الإنتاج القطري بحلول نهاية 2026 وما بعدها، واستمرار القيود على المشروعات الروسية.

الرابحون والخاسرون من فجوة الطاقة الأوروبية

قد تؤدي فجوة الطاقة الأوروبية التي تظهر بوادرها على السطح إلى تصنيف الأسواق الرئيسة لرابحين وخاسرين:

  • أميركا:

تعدّ أميركا أبرز الرابحين من تزايد الطلب الأوروبي على الغاز المسال، إذ يعبّر ذلك عن رغبة “ترمب” بزيادة صادرات بلاده، بالإضافة إلى تعزيز الاستغناء عن الإمدادات الروسية.

وتُشير التقديرات إلى أن صادرات الغاز المسال الأميركي ستشهد ارتفاعًا بنسبة 15% خلال العام الجاري، مع تشغيل مشروعات جديدة، حسب كبلر.

وتحتاج أكبر اقتصادات القارة العجوز (ألمانيا) إلى بدائل سريعة، خاصة أنها كانت تعتمد على الغاز الروسي في توفير ما يزيد على نصف حاجتها من الغاز، لتلبية طلب القطاع الصناعي.

  • آسيا:

على النقيض من أميركا، يُنظر إلى الأسواق الآسيوية بكونها الخاسر الأكبر من تزايد الطلب الأوروبي، إذ تدفع إعادة توجيه الشحنات باتجاه زيادة الأسعار، خاصة في الهند وبنغلاديش.

وربما تظل الصين الأقل تضررًا من بين الأسواق الآسيوية، خاصة أنها تُعدّ أكبر مشترٍ للغاز المسال الروسي العام الماضي، بواردات بلغت 7.04 مليون طن (21% من إجمالي صادرات موسكو)، وفق بيانات التقرير السنوي لوحدة أبحاث الطاقة.

  • مصر:

تحولت مصر خلال العام الماضي من دولة مُصدّرة للغاز المسال إلى دولة مستوردة، لتعويض نقص الغاز الذي أدى إلى أزمة كهرباء طاحنة ضربت البلاد، وأدت إلى انقطاعات متكررة، بلغت ذروتها خلال فصل الصيف.

ويكشف الرسم التالي -من إعداد وحدة أبحاث الطاقة- حجم الاعتماد المصري على الغاز المسال الأميركي:

واردات مصر من الغاز المسال في 2024 حسب الدول المصدّرة

وزادت مشتريات مصر من الغاز المسال إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2017، وما زال الطلب المحلي يحتاج إلى عشرات الشحنات استعدادًا لتلبية الطلب خلال أشهر الصيف.

وبلغت واردات مصر من الغاز المسال العام الماضي 2.50 مليون طن من الغاز المسال، واستحوذت أميركا على 81.6% من واردات القاهرة خلال العام الماضي (بما يعادل 2.05 مليون طن)، حسب بيانات التقرير السنوي لوحدة أبحاث الطاقة.

ومع تعاقد مصر على وحدتي إعادة تغويز بقدرة 750 مليون قدم مكعبة يوميًا لكل وحدة، تمهيدًا لزيادة الواردات، قد تتسبّب مزاحمة دول الاتحاد الأوروبي لها في “كعكة” إمدادات الغاز المسال الأميركي بأزمة محلية جديدة.

  • أميركا الجنوبية:

يزداد طلب بعض دول أميركا الجنوبية أيضًا على الغاز المسال، ما قد يعرّض هذه الدول إلى “تضييق الخناق” على الإمدادات مع زيادة أوروبا وارداتها.

وتحتاج البرازيل -عبر الغاز المسال- إلى تعويض انخفاض توليد الطاقة الكهرومائية نتيجة الجفاف، في حين تسعى الأرجنتين إلى تأمين الطلب على التدفئة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر:

  1. تحليل سيناريوهات أسعار ومخزونات الغاز الأوروبية ومستقبل الطلب في 2025، من بلومبرغ.
  2. بيانات مخزونات الغاز الأوروبية في دول الاتحاد، من “جي آي إي- إيه جي إس آي”.
  3. مؤشر أسعار عقود الغاز في أوروبا حسب مؤشر تي تي إف الهولندي، من ماركت ووتش.
  4. بيانات واردات أوروبا من الغاز المسال الروسي، من التقرير السنوي لوحدة أبحاث الطاقة.
  5. بيانات واردات مصر من الغاز المسال في 2024، من التقرير السنوي لوحدة أبحاث الطاقة.

إقرأ: أسعار ومخزونات الغاز الأوروبية على صفيح ساخن.. من الرابحون والخاسرون؟ على منصة الطاقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى