استهداف المنشآت النووية الإيرانية.. هل تعمِّق إسرائيل توترات الشرق الأوسط؟ (مقال)
قد يوسّع استهداف المنشآت النووية الإيرانية من جانب إسرائيل نطاق التوترات في الشرق الأوسط، بعد الضربات الصاروخية الأخيرة التي شنّتها إيران ضد إسرائيل، ما أثار المخاوف من اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقًا.
وبالنظر إلى تقدُّم طهران في برنامجها النووي، فإن عواقب أنشطتها العسكرية تمتدّ إلى ما هو أبعد من الأعمال العدائية الثنائية، ما يؤثّر بالاستقرار الإقليمي والأمن العالمي.
ويستعرض هذا المقال ديناميكيات المواجهة بين إيران وإسرائيل، مع التركيز على العواقب المباشرة للقصف الصاروخي الأخير والتفاعل المعقّد بين الإجراءات العسكرية والجهود الدبلوماسية ومخاطر الانتشار النووي، وكذلك مخاطر استهداف المنشآت النووية الإيرانية.
لذلك، فإن فهم دوافع وإستراتيجيات اللاعبين الرؤساء أمر ضروري لتطوير إستراتيجيات فعالة لمنع المزيد من التصعيد والحفاظ على الاستقرار.
الضربات الصاروخية الأخيرة: مرحلة جديدة في الصراع
تمثّل الهجمات الصاروخية الإيرانية الأخيرة على إسرائيل تصعيدًا كبيرًا، وتمثّل انتهاكًا صريحًا للخطوط الحمراء السابقة.
وقد اخترقت هذه الضربات، التي انطلقت مباشرة من الأراضي الإيرانية، أنظمة الدفاع الإسرائيلية المتقدمة للمرة الثانية، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التعهد بالردّ، وأن “تدفع إيران ثمن ذلك”.
وما تزال تفاصيل الرد الإسرائيلي غير مؤكدة، ما يزيد من المخاوف من اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقًا، وتثير قدرة إيران على اختراق الدفاعات الإسرائيلية مخاوف بشأن تحول في ميزان القوى وإمكان حدوث المزيد من الأعمال الاستفزازية.
التأثير الإقليمي الأوسع والتدخل الأميركي
تمتد تداعيات هذا الصراع إلى ما هو أبعد من إيران وإسرائيل، حيث قد تجتذب الدول المجاورة.
فقد حذّرت إيران الدول العربية من السماح لإسرائيل باستعمال مجالها الجوي في العمليات العسكرية، وهددت بالرد على دول الخليج العربي التي تساعد إسرائيل.
وفي الوقت نفسه، تعمل الجماعات المدعومة من إيران مثل حزب الله وحماس على تعقيد الموقف، ما يزيد من خطر الصراع على جبهات متعددة.
يدورها، أدت القوات الأميركية دورًا من خلال مساعدة إسرائيل في اعتراض الصواريخ الإيرانية، ما يشير إلى تورط واشنطن العميق.
في المقابل، يوجد قلق متزايد من أن الضربة الإسرائيلية على طهران، لا سيما استهداف المنشآت النووية الإيرانية، قد تؤدي إلى استفزاز مشاركة عسكرية أميركية أكبر، ما يؤدي إلى تصعيد التوترات.
وعلى الرغم من هذه المخاطر، كانت هناك جهود دبلوماسية سرية شملت الولايات المتحدة والدول العربية لتهدئة الموقف.
ويقال، إن المناقشات بشأن وقف إطلاق النار الشامل مع إيران جارية، ما يسلّط الضوء على محاولات منع الصراع من الخروج عن نطاق السيطرة.
ويظل الانخراط في الجهود الدبلوماسية، مهما كان ضعيفًا، يشكّل طريقًا حاسمًا لتجنُّب حرب إقليمية أوسع نطاقًا.
شبكة الوكلاء الإيرانية: قوة مضاعفة
يتمثل أحد الأبعاد الرئيسة للمواجهة بين إيران وإسرائيل بشبكة الوكلاء الواسعة النطاق التي تمتلكها طهران في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
وتعمل مجموعات، مثل حزب الله في لبنان، والميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن، على توسيع النفوذ الإيراني، وتوفير النفوذ الإستراتيجي دون تدخُّل مباشر.
وتتمتع هذه القوات الوكيلة بالقدرة العسكرية وتتوافق أيديولوجيًا مع موقف إيران الأوسع نطاقًا المناهض لإسرائيل والولايات المتحدة.
وفي حالة وقوع هجوم إسرائيلي على إيران، أو المنشآت النووية الإيرانية، قد تنشط هذه المجموعات، ما يفتح جبهات متعددة ويستنزف الموارد العسكرية الإسرائيلية.
وتشكّل ترسانة حزب الله الصاروخية الضخمة وحدها تهديدًا كبيرا لشمال إسرائيل، في حين قد يؤدي نفوذ إيران في سوريا والعراق إلى ازدياد زعزعة استقرار تلك المناطق.
معاهدة منع الانتشار النووي وحسابات إيران
كانت إيران من الدول الموقّعة لمعاهدة منع الانتشار النووي منذ عام 1970، التي تمثّل ركيزة ضبط الأسلحة النووية العالمية.
من ناحيتها، هددت طهران بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي عدة مرات، ردًا على الضغوط المتزايدة من القوى الأوروبية بشأن انتهاكات الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة).
وقد أدت انتهاكات إيران لخطّة العمل الشاملة المشتركة، إلى جانب العقوبات الأميركية التي أعقبت انسحابها من الاتفاق في عام 2018، إلى تصعيد التوترات بشكل كبير.
فوائد محتملة للانسحاب من المعاهدة
يمكن أن تستفيد إيران من الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي بعدّة طرق:
أولًا، إزالة القيود القانونية: من شأن الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي أن يلغي الأساس القانوني للحجج القائلة بأن البرنامج النووي الإيراني غير قانوني، الأمر الذي يحرم الحكومات الغربية من الخطاب القانوني عند الضغط على إيران.
ثانيُا، اكتساب النفوذ الإستراتيجي: يمكن النظر إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي بكونه “عامل تغيير”، إذ يعزز قدرة إيران على الحفاظ على نفسها ضد التهديدات الوجودية المتصورة من الضغوط الأميركية.
ثالثًا، تسريع البرنامج النووي: قد تتقدم إيران علنًا ببرنامج التخصيب لبناء النفوذ للمفاوضات المستقبلية.
رابعًا، الردع المحتمل: يزعم بعض المسؤولين الإيرانيين أن تطوير الأسلحة النووية من شأنه أن يعزز أمن النظام ويعزز هيبته الإقليمية، مستلهمين مثال كوريا الشمالية.
خامسًا، ورقة مساومة: قد تنظر إيران إلى إمكان إعادة الانضمام لمعاهدة حظر الانتشار النووي بصفته ورقة مساومة في المفاوضات المستقبلية.
تحديات تواجه الولايات المتحدة وأوروبا
قد يفرض انسحاب إيران من معاهدة منع الانتشار النووي تحديات كبيرة على الولايات المتحدة وأوروبا، بما في ذلك:
أولًا، مخاطر الانتشار: فقد يؤدي ذلك إلى إحداث تأثير الدومينو المتمثل في انسحاب دول أخرى من معاهدة منع الانتشار النووي، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر.
ثانيًا، انخفاض الرقابة: من شأن الانسحاب أن يحدّ من الرؤية الدولية للبرنامج النووي الإيراني.
ثالثًا، زيادة التوترات: فقد يضطر إسرائيل إلى التفكير في توجيه ضربات استباقية إلى المنشآت النووية الإيرانية، الأمر الذي قد يعرّضها لخطر اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقًا.
رابعًا، الفشل الدبلوماسي: من شأن مثل هذه الخطوة أن تمثّل فشل الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إبقاء إيران منخرطة في إطار معاهدة منع الانتشار النووي.
خامسًا، إضعاف معاهدة منع الانتشار النووي: من الممكن أن يؤدي انسحاب إيران إلى تقويض نظام منع الانتشار النووي العالمي بشكل خطير.
سادسًا، التسلح النووي في المستقبل: على الرغم من أن التسلح النووي قد لا يحدث على الفور، فإن الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي من شأنه أن يخفض الحواجز السياسية أمام إيران لتطوير الأسلحة النووية في المستقبل.
ومن المرجّح أن تنظر الولايات المتحدة وأوروبا إلى انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي بوصفه انتكاسة إستراتيجية كبيرة، ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط وتقويض جهود منع الانتشار العالمية.
استهداف المنشآت النووية الإيرانية: عواقب وتداعيات
إذا استهدفت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية، فإن العواقب قد تكون وخيمة، وقد تؤدي إلى اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقًا.
وقد تعهدت إيران بالرد بقوة، وربما استهداف المواقع النووية الإسرائيلية وتعبئة الجماعات المتحالفة مع إيران في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
من جهاتها، قد تجد إسرائيل -التي تخوض حاليًا صراعات تشمل حماس وحزب الله- نفسها منهكة.
إضافة إلى ذلك، قد يستفز الهجوم الإسرائيلي إيران للخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي بالكامل، ما يؤدي إلى تسريع تطوير أسلحتها النووية ودفع القوى الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية إلى متابعة برامجها النووية الخاصة.
وبعيدًا عن التداعيات العسكرية، قد تؤدي مثل هذه الضربة إلى كوارث إنسانية وبيئية، بما في ذلك خطر التلوث النووي.
وستكون العواقب الدبلوماسية وخيمة، إذ تعزل إسرائيل دوليًا وتعقّد الجهود الرامية إلى الحدّ من طموحات إيران النووية.
ومن الناحية الاقتصادية، قد يؤدي الصراع إلى زعزعة استقرار أسواق النفط العالمية، ما يتسبب بنقص محتمل في البنزين داخل إيران واضطرابات اقتصادية أوسع نطاقًا.
ومن المرجّح أن تمتد العواقب الاقتصادية العالمية إلى ما هو أبعد من المنطقة، ما يؤثّر بالتجارة الدولية وأسعار الطاقة.
ردود الفعل العسكرية المتصاعدة والتحولات الإستراتيجية
ردًا على الضربة الإسرائيلية، من المرجّح أن تردّ إيران بالصواريخ الباليستية، والضربات بطائرات مسيرة، وربما الهجمات على البنية التحتية للطاقة في إسرائيل.
وقد تشنّ القوات الوكيلة مثل حزب الله هجمات من لبنان، ما يزيد من تعقيد دفاع إسرائيل، وقد تعطّل إيران إمدادات النفط العالمية من خلال نشر ألغام بحرية في مضيق هرمز، وهو ممر مهم لشحن النفط العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، قد يدفع الحرس الثوري الإسلامي الإيراني نحو المزيد من التقدم النووي العدواني، الذي قد يشمل تخصيب اليورانيوم إلى مستويات صالحة للاستعمال في صنع الأسلحة.
وقد يتسبب الانسحاب المحتمل لإيران من معاهدة منع الانتشار النووي في أعقاب هجوم إسرائيلي بالمزيد من زعزعة الاستقرار، مع تسريع إيران لسعيها إلى الحصول على الأسلحة النووية.
وقد يتبع ذلك إدانة دولية لإسرائيل، ولكن التحركات المحسوبة من جانب إيران للاستفادة من الخلافات الدبلوماسية قد تحدّ من الضغوط العالمية ضدها.
ومن شأن احتمال انسحاب إيران من معاهدة منع الانتشار النووي أن يعقّد الجهود العالمية لمنع الانتشار، ما يثير المزيد من المخاوف بشأن سباق التسلح النووي في المنطقة.
العمق الإستراتيجي لإيران وقدرتها على الصمود الاقتصادي
على الرغم من الضغوط العسكرية والاقتصادية الهائلة التي تواجهها، فإن العمق الإستراتيجي لإيران وقدرتها على الصمود يشكّلان عاملين بارزين في قدرتها على تحمّل التهديدات الخارجية.
تجدر الإشارة إلى أن الأراضي الشاسعة التي تمتلكها إيران، والتضاريس المتنوعة، وأجهزة الأمن الداخلي القوية لديها، تمكّنها من امتصاص الضربات العسكرية مع الاستمرار في تشغيل منشآتها النووية.
فضلًا عن ذلك، طورت إيران شراكات اقتصادية كبيرة مع روسيا والصين، وهو ما قد يخفف من آثار العقوبات الدولية، ويوفر الدعم الحاسم في أوقات الصراع.
ويسمح هذا العمق الإستراتيجي لإيران بتحمُّل الصراع المطول، وقد يشجع قيادتها على اتخاذ إجراءات أكثر عدوانية ردًا على الاستفزازات الإسرائيلية أو الأميركية.
مسارات خفض التصعيد
نظرًا للطبيعة التصعيدية للمواجهة بين إيران وإسرائيل، فهناك حاجة ملحّة إلى “مخرج” دبلوماسي لنزع فتيل التوترات ومنع الانتشار النووي.
وقد أعربت وكالة الاستخبارات الأميركية عن مخاوفها بشأن البرنامج النووي الإيراني سريع التقدم، محذرةً من أن طهران قد تكون قريبة من تطوير الأسلحة النووية.
لذلك، يجب أن تركّز الجهود الدبلوماسية على التدابير الفورية للحدّ من الأنشطة النووية الخطيرة وإستراتيجيات طويلة الأجل لتحقيق الاستقرار.
في الأمد القريب، تشكّل القيادة الأميركية أهمية بالغة في التفاوض على اتفاقيات ضمنية مع إيران لوقف التطورات النووية الأكثر إلحاحًا، مع كبح جماح الأعمال العسكرية الإسرائيلية.
ويكمن التحدي في تعقيد سلوك إيران الإقليمي، وعلاقاتها العميقة مع موسكو، وتورطها في صراعات مثل الحرب في أوكرانيا.
ويظل الحل الدبلوماسي -وإن كان من الصعب تحقيقه- الخيار الأفضل لمنع المزيد من التصعيد.
من ناحية أخرى، أدى مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية أميركية في 3 يناير/كانون الثاني 2020، إلى تصعيد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بشكل كبير.
وقد أثار هذا الإجراء، إلى جانب انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018، مخاوف بشأن التزامات إيران بموجب معاهدة منع الانتشار النووي.
وألمحت إيران إلى إمكان الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي ردًا على العقوبات الاقتصادية الأميركية والإجراءات العسكرية الإسرائيلية.
ويشكّل هذا الانسحاب المحتمل تحديات كبيرة لنظام منع الانتشار العالمي، ويزيد من مخاطر الانتشار النووي الإقليمي.
الخلاصة
تمثّل المواجهة بين إيران وإسرائيل منعطفًا خطيرًا للاستقرار الإقليمي والأمن العالمي.
ويخلق التفاعل بين الأعمال العسكرية ومخاطر الانتشار النووي والانسحاب المحتمل من معاهدة منع الانتشار النووي مشهدًا معقدًا يستلزم دراسة متأنية للإستراتيجيات الدبلوماسية.
وقد يؤدي الفشل في الانخراط بحوار هادف إلى عواقب مدمرة، بما في ذلك سباق تسلّح نووي محتمل في الشرق الأوسط وتصاعد التوترات العالمية.
وعلى الرغم من أن الجانبين يتعاملان مع هذه البيئة المتوترة، تبقى الحاجة إلى حل دبلوماسي أمرًا ضروريًا.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب “دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001”.
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- مسؤول إيراني: وكالة الطاقة الذرية لن تحصل على صور مواقعنا النووية
- إيران تبدأ خطوة مهمة في بناء محطة ثانية للطاقة النووية
- إيران لم تحسم موقفها تجاه وكالة الطاقة الذرية بشأن “التسجيلات”
اقرأ أيضًا..
- صادرات سلطنة عمان من الغاز المسال تنخفض 7%.. ودولة عربية تظهر لأول مرة
- صادرات الجزائر من الغاز المسال تنخفض 28%.. وهؤلاء أكبر المستوردين
- حقل أم اللولو البحري.. قصة اكتشاف نفطي طوّرته الإمارات بعد 33 عامًا
إقرأ: استهداف المنشآت النووية الإيرانية.. هل تعمِّق إسرائيل توترات الشرق الأوسط؟ (مقال) على منصة الطاقة