عالم الطاقة

على خطى وزير الطاقة السعودي.. نائب أميركي يهاجم وكالة الطاقة الدولية ويفضح سياستها

تثير سياسات وكالة الطاقة الدولية الجدل في ظل الانحياز اللافت للنظر إلى انتقال الطاقة والتقنيات النظيفة، على حساب متغيرات العرض والطلب وحاجة السوق إلى تأمين موارد النفط والغاز.

وخلال السنوات الـ3 الأخيرة، انصبّ تركيز الوكالة على كيفية تحقيق الحياد الكربوني وتنفيذ الأهداف المناخية، وتناست تدريجيًا هدفها الذي أُنشِئت من أجله، وهو العمل على ضمان أمن الطاقة.

وكان وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان أول من كشف سياسات الوكالة وانحيازها المفرط -في يونيو/حزيران من عام 2021-، بعد إعلانها خريطة الحياد الكربوني لعام 2050.

وبالتزامن مع بلوغ عمر الوكالة 50 عامًا -منذ نشأتها عام 1974 حتى نهاية العام الجاري 2024-، وجّه عضو بمجلس الشيوخ الأميركي “السيناتور جون باراسو” انتقادات واتهامات لاذعة للوكالة بالتخلّي عن هدفها الرئيس و”الانحراف” عنه.

وأورد باراسو -في خطاب حصلت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) كاملًا، وثّق بالأرقام والبيانات الانتقادات الموجهة سابقًا إلى مدير الوكالة فاتح بيرول- أن تقارير الوكالة مؤخرًا استهدفت تقليص استثمارات قطاع النفط والغاز الطبيعي، لصالح الحياد الكربوني.

وطالت الاتهامات “بيرول” شخصيًا، ردًا على تصريحاته التي قلّل فيها من أهمية تطوير حقول النفط والغاز الجديدة، بالنظر إلى أن الهيدروكربونات “ليست خيارًا آمنًا للطاقة”، حسب قوله.

ووصف السيناتور الأميركي سياسة الوكالة حاليًا بـ”المراهنة” بأمن الطاقة العالمي، محذّرًا من “عجز” مستقبلي بإمدادات الوقود الأحفوري في بعض الدول، لصالح دول أخرى مثل: الصين، وروسيا، وإيران، وفنزويلا.

وفي هذا التقرير، تستعرض منصة الطاقة لائحة الاتهامات التي وثّقها السيناتور الأميركي “دون باراسو” للوكالة في خطاب من 49 صفحة.

وزير الطاقة السعودي

كانت البداية عندما وصف وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان خريطة طريق الوكالة بأنها مواصلة لفيلم “لالا لاند“، في إشارة إلى أن تنفيذ هذه الخريطة يعدّ نوعًا من أنواع الخيال.

وأضاف في تصريحات حينها، تعليقًا على خريطة الطريق الصادرة قبل 3 سنوات، أن مطالبة الوكالة للمنتجين وأسواق الطاقة بالتوقف عن الاستثمار في مشروعات النفط والغاز الجديدة “بعيدة عن الواقع”.

وأوضح الوزير أن “الهيدروكربونات متوفرة لتبقى”، لافتًا إلى أن كبريات شركات الطاقة تبرم صفقات استحواذ لامتلاك أصول للاستفادة منها.

وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان

وخلال مشاركته في مؤتمر النفط العالمي -الذي عُقِد في كندا، سبتمبر/أيلول 2023- وصف الوزير سياسات وكالة الطاقة بأنها “تحولت إلى داعية سياسي“، في توقيت يركز العالم خلاله على أمن الطاقة.

وتتزامن عودة الانتقادات إلى السطح مرة أخرى -بالخطاب الموثق الذي طرحه النائب الأميركي لتوثيق وسرد أسباب اتهامه للوكالة بالانحياز- مع استعدادات تنصيب الرئيس الأميركي الجديد “دونالد ترمب” في منصبه الشهر المقبل.

الوكالة في عهد “ترمب”

بدوره، أكد مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن اضطراب سياسات الوكالة تزامن مع انتخاب “جو بايدن” رئيسًا لأميركا.

وأشار إلى أن هناك تحولًا حدث في تأييد الوكالة لتطوير النفط الصخري ما بين نهاية ولاية “ترمب” وتولّي “بايدن” منصبه عام 2021، لتتبنّى الوكالة في عهد الأخير الحديث عن تغير المناخ على حساب وقف استثمارات النفط والغاز.

جاء ذلك خلال أحدث حلقات برنامج “أنسيات الطاقة” المذاعة بمنصة “إكس” يوم الثلاثاء 24 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بعنوان “النفط والغاز بين الواقع ورغبات ترمب ووكالة الطاقة الدولية والاتحاد الأوروبي”.

وأوضح الحجي أنّ ما تبنّته الوكالة خلال السنوات الأخيرة ليس مجرد “توقعات”، ولكن “سياسات” لتحقيق أهداف التغير المناخي وتحول الطاقة.

وكشف أن أول من أدرك تغير سياسات الوكالة كان وزير الطاقة السعودي، قبل أن يدرك الكونغرس ومجلس الشيوخ الأميركيين حقيقة الموقف.

وقال، إن مخاطبة نواب أميركيين -في مارس/آذار الماضي- لوكالة الطاقة الدولية تُمهِّد لموقف حادّ ضد “تطرف” قيادتها، خاصة أنهم طالبوا بكشف مصادر تمويلها.

ورجّح الحجي أن التقرير الحديث الصادر عن النائب الأميركي “جون باراسو” يمهّد الطريق لـ”ترمب” لإجبار وكالة الطاقة على تغيير سياساتها، أو الانسحاب الأميركي منها.

ويشار إلى أن “باراسو” أورد في خطابه الحديث لتفنيد انتقاداته للوكالة، أن ميزانية الوكالة -حاليًا- تصل إلى 30.6 مليون يورو (31.8 مليون دولار أميركي)، وتموّل أميركا 23% من ميزانيتها العادية و14% من الميزانية الإجمالية (الطوعية وغيرها) منذ عام 2021.

انحياز تقديرات وكالة الطاقة

بالنظر إلى أن وكالة الطاقة الدولية تخضع لمظلة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تعدّ هيئة حكومية دولية “مستقلة” مؤثّرة في: آفاق الطاقة المستقبلية على المستوى العالمي، وسياسات الطاقة، وقرارات الاستثمار النهائي للشركات، وعمليات التمويل.

ومن ثم، تمارس تأثيرًا هائلًا بسياسة الطاقة، وقرارات الاستثمار للشركات العامة، والشركات المتداولة في البورصة، والشركات الخاصة، والتمويل المرتبط بها من الكيانات العامة والخاصة على حدّ سواء.

وتتلخص المهمة الرئيسة للوكالة في “تعزيز أمن الطاقة العالمي”، ويحدث ذلك عبر العمل على تأمين إمدادات تلبي توقعات الطلب مع توافر فائض ملائم.

المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول
المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول – الصورة من APA

ويتوافق هذا مع السبب الذي أُنشئت من أجله قبل 50 عامًا، إذ استهدفت ضمان أمن الموارد في أعقاب الحظر العربي للنفط عام 1973 والمقاطعة النفطية التي عانى منها الغرب.

لكن -وعلى العكس من هذا الهدف- عززت سياسات الوكالة سيناريوهات الحياد الكربوني، وطالبت الدول الصناعية الكبرى بأهداف مناخية محددة، ما يراه “باراسوا” بأنه يصبّ في صالح الدول المستفيدة من الحظر العربي للنفط قبل سنوات.

إدارة بايدن والغاز المسال نموذجًا

استفادت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من بيانات وتقديرات وكالة الطاقة لشنّ حرب على مشروعات الغاز المسال وإصدار قرار بتعليق تراخيص مشروعات جديدة، نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.

وأوضح باراسو أن إدارة بايدن غضّت الطرف آنذاك عن تقديرات إدارة معلومات الطاقة حول نمو الطلب العالمي على الغاز حتى عام 2050.

وافترضت وكالة الطاقة الدولية أن الحياد الكربوني هدف قابل للتحقيق بحلول عام 2050، ما يتطلب إنهاء الاستثمارات الجديدة في قطاع الهيدروكربونات العالمي.

وبحسب خطاب باراسو، يعدّ تحقيق هذا الهدف أمرًا صعبًا، خاصة أن الوكالة تجاهلت تكلفته الاقتصادية الهائلة خلال تقديراتها.

ودعا الوكالة لتوجيه إمكاناتها بهدف دراسة مدى تأثُّر أمن الطاقة بعملية التحول والانتقال، والتركيز على الممارسات الإيجابية لأمن الطاقة، مثل التعاطي مع سلسلة توريد المعادن والوقود النووي وغيرها.

توقعات الطلب على النفط والغاز

توافقت توقعات الوكالة بشان الطلب على النفط والغاز مع الهيئات الأخرى المعنية (مثل: إدارة معلومات الطاقة الأميركية، وإكسون موبيل، ومعهد اقتصادات الطاقة الياباني، وأوبك)، خلال المدة من عام 2010 حتى 2019، ثم انقلبت على هذه التوقعات.

أولًا.. توقعات الطلب على النفط

لم تتضمن توقعات الهيئات السابق ذكرها أن يصل الطلب على النفط ذروته (قبل) عام 2030 مثلما تروّج الوكالة، بل على العكس أشارت التوقعات في غالبيتها إلى أن الطلب سينمو حتى عام 2050، أو يستقر.

واللافت للنظر أن توقعات الطلب الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية لعامي 2018 و2019 كشفت تراوح الطلب على النفط بين 110.5 و111.5 مليون برميل يوميًا عام 2030، لترتفع إلى 111.5 مليون برميل يوميًا في 2040.

ولاحقًا، اتخذت وكالة الطاقة مسارًا مختلفًا، إذ خرجت بما يفيد انخفاض الطلب على الخام بحلول نهاية العقد الجاري.

وفي المقابل، أبدت مجموعات معنية تفاؤلًا بمستويات الطلب المستقبلية، مثل توقعات شركة الاستشارات وود ماكنزي بأن يصل الطلب إلى 108 ملايين برميل يوميًا مطلع العقد المقبل، ارتفاعًا من 103 ملايين برميل يوميًا العام الجاري.

وتوقّع غولدمان ساكس بلوغ الطلب 110 ملايين برميل يوميًا بحلول 2034، يرتفع إلى 113 مليون برميل يوميًا بحلول 2040، لكنه ربط هذه القفزة بتراجع الطلب على السيارات الكهربائية.

وشارك بنك جيه بي مورغان بتوقعاته، مشيرًا إلى أن الطلب على النفط سيواصل الارتفاع حتى عام 2030، مع توقُّع “عجز” يصل إلى 1.1 مليون برميل يوميًا عام 2025، يصل إلى 7.1 مليون برميل يوميًا نهاية العقد.

ويقارن الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- توقعات الطلب على النفط بين: أوبك، ووكالة الطاقة، وإدارة معلومات الطاقة الأميركية:

توقعات الطلب على النفط في 2025

ثانيًا.. توقعات الطلب على الغاز

ينطبق الأمر ذاته بالنسبة لتوقعات الطلب على الغاز، إذ تتفق التقديرات على ارتفاع الطلب حتى عام 2030 والأعوام اللاحقة له.

وأشارت غالبية التقديرات إلى نمو يتراوح بين 6 و10% خلال المدة بين عامي 2030 و2040.

وشمل ذلك توقعات: (إدارة معلومات الطاقة الأميركية، وإكسون موبيل، ومعهد اقتصادات الطاقة الأميركي، وماكنزي، وشركة النفط البريطانية بي بي، ومعهد أكسفورد لدراسات الطاقة)، في حين اتخذت وكالة الطاقة موقفًا مغايرًا.

وحذّر النائب الأميركي “جون باراسو” من مدى التأثير الكارثي لتراجع استثمارات الغاز الطبيعي والبنية التحتية لمحطات الغاز المسال والسفن، أو زيادة في الواردات من روسيا وإيران.

آليات تصحيح المسار

طالب السيناتور “جون باراسو” الوكالة بتقديم تقديرات محايدة سياسيًا و”غير منحازة” في تقرير “آفاق الطاقة العالمية”، خلال انعقاد الدورة الـ119 المقبلة للكونغرس.

وأوصى بضرورة تخلّي الوكالة عن تأييدها لإنهاء استثمارات النفط والغاز والفحم، مع إتاحة بياناتها علنًا.

ومن جانب آخر، حاول “باراسو” ضمان الدور الأميركي في “إعادة تصحيح مسار الوكالة” نحو وجهتها الأساسية “أمن الطاقة”، عبر التيقن من قناعة مرشح وزارة الطاقة ومجلس الشيوخ للممثل الأميركي في الوكالة.

واستشهد بوصف الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” لوكالة الطاقة الدولية بأنها “الأداة المسلحة لتنفيذ اتفاقية باريس للمناخ”، مشيرًا إلى أن الوكالة اتخذت موقف “الدعم الحزبي”، في حين تحتاج السوق العالمية إلى تقديرات “محايدة”.

وكان “باراسو” وعدد من النواب الأميركيين قد خاطبو الوكالة ومديرها “فاتح بيرول” -في مارس/آذار الماضي- لكشف مخاوف انحراف الوكالة عن مسارها الرئيس، دون استجابة أو محاولة لتقريب فجوة الخلاف.

وشكّك خطاب النواب آنذاك في “نزاهة” سياسات الوكالة الحالية، مع تأكيد ضرورة عودة دورها “الصحيح” في ظل تحديات سوق الطاقة العالمية.

النائب جون باراسو - الصورة من موقع بوليتيكو
النائب جون باراسو – الصورة من موقع بوليتيكو

سيناريو الحياد الكربوني

انتقد خطاب السيناتور التوقعات التي تغرد بها وكالة الطاقة الدولية خارج سرب الهيئات المماثلة، ومن بينها إدارة معلومات الطاقة الأميركية، خاصة فيما يتعلق ببلوغ الطلب على النفط والغاز ذروته قبل 2030.

ورجّح أن السنوات الـ5 الماضية شهدت فشل الوكالة في تلبية مسؤولياتها بموضوعية، خاصة مع تبنّيها أهدافًا تقتصر على تأسيس أنظمة طاقة خالية من الانبعاثات.

وقال، إن قضية تغير المناخ “معقّدة” وتستوجب اهتمام وكالة الطاقة الدولية بوصفها أحد أبرز تحديات انتقال الطاقة، دون تجاهل تزويد صنّاع القرار ببيانات التداعيات الاقتصادية لذلك.

وأوضح أن الوكالة اندفعت باتجاه الدفع والحث على انتقال الطاقة، بدلًا من التركيز على تقديم تقييم “موضوعي ومتوازن” لتقنيات الطاقة الجديدة.

وشرح “باراسو” أن خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في قطاع الطاقة يسير على مستويين: (خفض الانبعاثات الحالية، وتجنّب الانبعاثات المستقبلية المحتملة).

وانتقد خطط وكالة الطاقة الدولية الحالية التي لا توفر أداة لقياس الانبعاثات المطلوب تجنّبها، والتحديات المحيطة بذلك.

وأرجع انتقاداته إلى أن “غموض” معلومات الوكالة حول كميات الانبعاثات وتكلفة خفض الانبعاثات يصعّب عملية خفضها.

خطة الوكالة في 2025

يبدو أن قرارات الاجتماع الوزاري لأعضاء وكالة الطاقة الدولية، استعدادًا لعام 2025، حفّزت النائب الأميركي “جو باراسو” على تفنيد دلائل انحياز الوكالة للحياد الكربوني، على حساب أمن الطاقة.

وكان الاجتماع الوزاري لوكالة الطاقة الدولية قد أقرّ بالموافقة على مقترح “بيرول” حول إستراتيجية التعامل مع الاقتصادات الناشئة لتعزيز جهود التركيز على تقنيات الطاقة البديلة وكفاءة الطاقة.

وتتوافق الإستراتيجية المعتمدة حديثًا مع أهداف تبنّاها “بيرول” منذ تولّيه منصبه عام 2015، بالتركيز على: (مرحلة أوسع نطاقًا من أمن إمدادات النفط، ودعم الاقتصاد الصيني والهندي، والتقنيات النظيفة).

وتبني إستراتيجية 2025 أيضًا على الأساس الذي رسخت له الوكالة العام الجاري، بالالتزام بتحول أنظمة الطاقة عن الوقود الأحفوري، وتنويع الاستثمارات، والوصول لقطاع كهرباء خالٍ من الكربون بحلول 2035.

وتضمَّن ذلك أيضًا تضافر الجهود التمويلية لتنفيذ أهداف اتفاقية باريس للمناخ، وفق خطاب النائب الأميركي.

وفي ظل استنباط الإعلام وصنّاع السياسات ضرورة وقف استثمارات النفط والغاز الجديدة استنادًا لبيانات وكالة الطاقة، وصف “بارسوا” واقع الوكالة حاليًا بـ”المضلل”، بانحرافه عن أهداف معالجة تحديات سوق النفط.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر:

  1. نص خطاب النائب “جون باراسو” لمدير وكالة الطاقة فاتح بيرول، من الموقع الرسمي لمجلس الشيوخ الأميركي.

إقرأ: على خطى وزير الطاقة السعودي.. نائب أميركي يهاجم وكالة الطاقة الدولية ويفضح سياستها على منصة الطاقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى