مزارع الرياح الإسكتلندية تحصل على “جباية” بـ462 مليون دولار.. ما القصة؟
طالما كانت مزارع الرياح مصدرًا للكهرباء النظيفة وخيارًا مفضلًا لداعمي كل ما هو متجدد، مثلها مثل مشروعات الطاقة الشمسية والهيدروجين.
أمّا في إسكتلندا، فقد صارت الصورة عكسية، وبدلًا من تلقّي المزارع مدفوعات مقابل الكهرباء التي تنتجها، أصبحت تتلقى مدفوعات مقابل “وقف تشغيلها”.
هذه الصورة الخارجة عن المألوف كبّدت البلاد 380 مليون جنيه إسترليني (462 مليون دولار أميركي) خلال العام الماضي 2024 وحده، وفق تحديثات قطاع الرياح العالمي لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
(الجنيه الإسترليني = 1.22 دولارًا أميركيًا)
ويبقى السؤال المُلحّ: “من يتحمل هذه المدفوعات؟”، ولماذا من الأساس يُطَالب مطورو الطاقة المتجددة بوقف الإنتاج رغم تزايد الطلب في المملكة المتحدة وأنحاء بريطانيا؟
نظام تعويضات وقف إنتاج مزارع الرياح
بدأ التعامل بنظام تعويضات وقف إنتاج مزارع الرياح منذ عام 2010، وهو نظام قائم على مطالبة المطورين ومالكي المزارع بالتوقف عن تشغيل التوربينات وإنتاج الكهرباء.
ويأتي ذلك حينما تشهد الإمدادات وفرة وفائض كبير إلى الحدّ الذي يشكّل ضغطًا على الشبكة، والبنية التحتية المتهالكة للنقل والتخزين.
ومقابل ذلك، يتلقى المطورون تعويضًا ماليًا عن المدة التي تتوقف خلالها المزارع عن العمل.
كل ما سبق ذكره يُعدّ منطقيًا إلى حدّ ما، إذا قررت دولة بحجم المملكة المتحدة والقطاعات التابعة لها -ومن بينها إسكتلندا- غض الطرف عن تأهيل البنية التحتية والاهتمام بمرافق النقل، والاتجاه إلى “وقف إنتاج الكهرباء”، رغم زيادة الطلب.
لكن ما هو غير منطقي وغير واقعي، أن يستمر تطبيق هذا النظام، بالتزامن مع مطالبة مشغّل نظام الطاقة الوطني (المسؤول عن تشغيل شبكة الكهرباء) المطورين بزيادة الإنتاج، عبر دعوة طرحها يوم الأربعاء 8 يناير/كانون الثاني 2025، ما يعكس تناقضًا.
وشهدت شبكة الكهرباء مؤخرًا مظاهر ضعف عدّة، من بينها: تراجع إنتاج طاقة الرياح، والافتقار لمرافق يمكنها تخزين إنتاج الطاقة الشمسية ليلًا، وضعف خطوط الربط البينية.
تدرُّج مدفوعات وقف إنتاج مزارع الرياح
ما هو مثير للجدل حقًا تدرُّج مدفوعات وقف إنتاج مزارع الرياح منذ 15 عامًا، إلى أن بلغت أعلى مستوياتها التاريخية العام الماضي، بكسر حاجز 300 مليون جنيهًا إسترلينيًا.
ويأتي هذا الرقم بارتفاع “الثُلث” عن مدفوعات العام السابق له 2023، إذ حصل مالكو مزارع الرياح في إسكتلندا آنذاك على 278.5 مليون جنيه مقابل وقف الإنتاج.
وسجلت هذه التعويضات في عام 2010، ما يُقدَّر بنحو 174.128 جنيهًا إسترلينيًا، وقفزت في عام 2014 إلى 51.45 مليون جنيهًا إسترلينيًا مع نمو عدد المزارع.
وخلال الاتجاه التصاعدي لتعويضات وقف إنتاج الرياح، تقلصت المدفوعات من 178 جنيهًا إسترلينيًا لكل ميغاواط/ساعة عام 2010، إلى 46 جنيهًا كل ميغاواط/ساعة العام الماضي.
وسجلت الشبكة رقمًا قياسيًا لكهرباء الرياح التي استُغنِيَ عنها خلال عام 2023، وكان تقديرًا مفاجئًا أن ترتفع القدرة التي استغنت عنها الشبكة بنسبة 100% خلال العام الماضي، إلى 8.2 تيراواط/ساعة.
وبلغ عدد المزارع التي تقلت تعويضات مقابل وقف إنتاجها من الكهرباء وفق نظام المدفوعات حتى الآن 90 مزرعة، طبقًا لتقدير مؤسسة الطاقة المتجددة “أر إي إف”.
ومنذ طرح مخطط التعويض ووقف تشغيل التوربينات قبل 15 عامًا حتى العام الماضي، بلغ إجمالي المدفوعات لصالح مالكي المزارع 1.86 مليار جنيه إسترليني.
فواتير الطاقة في المملكة المتحدة
بصورة أو بأخرى، يتحمل المستهلك إضافات فواتير الطاقة في المملكة المتحدة، وبالطبع مدفوعات مالكي مشروعات الرياح المتوقفة جزءًا من هذه الفواتير.
وتثقل الحكومة البريطانية كاهل المستهلكين بهذه التعويضات رغم تسجيل فواتير الطاقة وأسعارها ارتفاعًا للربع الثاني على التوالي، إذ بلغت القيمة الفاتورة 1.738 جنيهًا إسترلينيًا، بعدما أُعلنَت زيادتها منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبالنظر إلى تمركز غالبية مشروعات الرياح المعرّضة للتوقف في إسكتلندا، فإن مستهلكيها هم من يتحملون نصيب الأسد من التعويضات والمدفوعات في بريطانيا بأسرها.
وأطلقت وزيرة الطاقة والمساواة في حكومة الظل، كلير كوتينو، جرس إنذار، محذرةً من انقطاع للكهرباء في ظل ميل الوزير في حكومة كير ستارمر “إد ميليباند” إلى تطوير طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وفق صحيفة ديلي ميل.
وقالت، إن تركيز “ميليباند” على مصادر الطاقة المتجددة يهدّد أمن الطاقة، ويعرّض البلاد لمخاطر انقطاع الكهرباء، فضلًا عن تحميل المستهلك أعباء مالية إضافية، والتوسع في الاعتماد على الواردات.
البنية التحتية للكهرباء في بريطانيا
لا تسعى الحكومات البريطانية المتوالية لإصلاح حقيقي وجذري في البنية التحتية للكهرباء، وتلجأ بدلًا من ذلك إلى تحميل المستهلك أعباء مالية متصاعدة ومتزايدة، ومن بينها مدفوعات توقُّف مزارع ومحطات الرياح.
واقترح عضو مؤسسة الطاقة المتجددة، لي موروني، خفض فواتير الطاقة عبر رفض تصاريح مشروعات الرياح في المناطق التي تفتقر إلى بنية تحتية ملائمة، سواء فيما يتعلق بتحمُّل واستقرار الشبكة أو خطوط النقل.
وأوضح أن هذه الخطوة تمنع تفاقم التعويضات التي تقفز إذا فاق إنتاج الرياح الطلب المحلي في المنطقة المحيطة، ولم تنجح البنية التحتية في نقل الفائض لمناطق أخرى.
ودعا مسؤول قسم الاقتصاد والأسواق في الهيئة الصناعية للطاقة المتجددة في إسكتلندا، أندرو ماكنيش بورتر، إلى توجيه هذه المدفوعات والتعويضات لصالح الاستثمار في شبكة كهرباء محدّثة قادرة على استيعاب الكهرباء المتجددة، وتزويد المستهلكين بها.
وطالبَ بالتوسع في بناء مرافق البنية التحتية اللازمة لنقل الكهرباء بوتيرة سريعة، لجذب الاستثمارات وربط المستهلك بالطاقة المتجددة.
موضوعات متعلقة..
- مشروعات الرياح البحرية العائمة.. إسكتلندا والنرويج تُنافسان على الصدارة العالمية
- مزارع الرياح في المملكة المتحدة تكبد المستهلكين 126 مليون دولار
- توربينات الرياح الجديدة تضيف 4 مليارات دولار على فواتير الكهرباء في بريطانيا
اقرأ أيضًا..
- أسعار ومخزونات الغاز الأوروبية على صفيح ساخن.. من الرابحون والخاسرون؟
- أسعار ألواح الطاقة الشمسية في سوريا للمنازل والمصانع (خاص)
- صادرات الجزائر من الغاز المسال في 2024 تنخفض 14%.. ودولتان تستحوذان على 63%
المصادر:
إقرأ: مزارع الرياح الإسكتلندية تحصل على “جباية” بـ462 مليون دولار.. ما القصة؟ على منصة الطاقة